حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الجمعة ,29 مارس, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 16806

ولكن شياطين الإنس لم تصفد!

ولكن شياطين الإنس لم تصفد!

ولكن شياطين الإنس لم تصفد!

04-07-2015 11:42 PM

تعديل حجم الخط:

سرايا - سرايا- إذا كانت الشياطين تصفد في رمضان؛ فلماذا لا تتوقف أعمال الشر والسوء بين الناس؟
سؤال يكثر ترداده حينما يستحضر الناس فضائل هذا الشهر والتي منها «تصفيد الشياطين».. هذا السؤال وأشباهه يصدر من رحم النظر الجزئي في التعامل مع النصوص الشرعية والحقائق الدينية.
فلو أن السائل ضم إلى هذا النص الذي تعلق به، نصوصا أخرى لاكتملت لديه الرؤية، ولتجلت الصورة أمامه من جميع جوانبها، فلئن كان تصفيد الشياطين على حقيقته بلا تكلف ولا تعمل، فإن محركات الإنسان لفعل السوء، ومواقعة المحظور، لا تنحصر في وسوسة الشياطين وإغوائها له، بل ثمة محرضات أخرى تحمله على ذلك وتدفعه إليه.
فالنفس الأمارة بالسوء باقية على حالها، وهي مصاحبة لصاحبها لا تنفك عنه بحال في رمضان وغيره، فالنفس في أصل خلقتها مجبولة على حب الشهوات والملذات، فسائر المحبوبات المزينة تنجذب إليها النفوس وتعشقها، ولا تقوى على التخلص من أسرها وأغلالها إلا بالمجاهدة التي تضبط مسار النفس البشرية وتقيده، حتى يكون وفق ما يحبه الله ويرضاه، فيحرص المرء في إشباع رغباته بما أحله الله له، وأباح ممارسته، وجعله من الفعل الذي يؤجر عليه.
حينما يجتهد المرء في تهذيب نفسه وتزكيتها، حتى تنقاد له وتكون طيعة بين يديه، فيلزمها بالمواظبة على الطاعات وأعمال الخير والبر قبل رمضان، فإنه إذا ما دخل رمضان بفيوضه ورحماته، والتي منها تصفيد الشياطين، يكون حينها بمنأى عن وسوسة الشيطان وإغوائه، فيجد نفسه مقبلة بشدة على الطاعات، وراغبة في فعل الصالحات، أما من كانت نفسه مقيمة على الشهوات ومنغمسة في مستنقعاتها، وراتعة في بيئاتها القذرة، طوال شهور السنة الماضية، فستبقى نفسه سائرة على نظامها التي ألفته وإن غابت عنها وساوس الشياطين ونزغاتها.
وكما أن من الجن شياطين، فإن من الإنس شياطين كذلك، وهم لا يتوقفون عن فعل الشر والسوء في رمضان وغيره، لأن نفوسهم أصبحت مرتعا للرذيلة والفساد وسائر الخبائث والشرور، أولئك الشياطين من الإنس لا يشعرون برمضان أصلا، ولا يدركون ما فيه من الرحمة والمغفرة وتجليات الرب على عباده، فأنّى لهم التوقف عما ألفوه واعتادوا عليه من القبائح والكبائر ومنكرات الأفعال.
يقول تعالى: «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ» (الأنعام: 112). فلماذا قدم شياطين الإنس على شياطين الجن في هذا الموضع من القرآن؟ لأن خطرهم أشد وأعتى في إغواء الناس وصرفهم عن جادة الحق والصراط المستقيم، روي عن مالك بن دينار أنه قال: «إن شيطان الإنس أشدّ علي من شيطان الجن، لأني إذا تعوذت بالله ذهب شيطان الجن عني، وشيطان الإنس يجيئني فيجرني إلى المعاصي عيانا».
والقرآن سمى رؤوس الشر من البشر بالشياطين، يقول تعالى: «وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ. اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ» (البقرة: 14 - 15). وقد أجمل الشيخ رشيد رضا (في تفسيره المنار) بيان أصناف أولئك الشياطين بقوله: «من دعاة الفتنة والعمال الإفساد، وأنصار الباطل الذين يصدون عن سبيل الحق بما يقيمون أمامه من عقبات الوساوس والأوهام، وما يلقون من أشواك المعايب وتضاريس المذام..».
شياطين الإنس الذين أخذوا على عاتقهم نشر فكر الضلال والانحراف في الناس، والذين تصدروا لإبعاد الخلق عن ربهم وفتنتهم عن طريقه بإثارة الشبهات المشككة بحقائق الإيمان ومعرفة الله تعالى، فهؤلاء أنّى لهم أن يتوقفوا عن فعلهم الشيطاني في رمضان وغيره؟
شياطين الإنس أولئك الذين وقفوا في طريق العباد المقبلين على الله في شهر رمضان، فاجتهدوا في إنتاج المسلسلات والبرامج الجاذبة للصائمين، فأضاعوا عليهم فرصة استغلال هذه الأوقات الشريفة والفاضلة بالإكثار من الطاعات والقربات، وأشغلوهم بمتابعة تلك المسلسلات والبرامج الهابطة والساقطة، فخسروا تلك الأوقات الشريفة، وسرقوا منهم تلك الساعات الغالية.
شياطين الإنس الذي فاقوا في نزعتهم الشريرة شياطين الجن، فلم يردعهم رادع عن استحلال الدماء المعصومة، وقتل المؤمنين الآمنين بدم بارد، وحرق الصائمين العابدين، فلئن كانت شياطين الإنس قد صفدت في رمضان فإن جرائم القتل وسفك الدماء والاعتداء على حياة الإنسان إنما يقترفها في رمضان شياطين الإنس، بما تجذر في نفوسهم من نزعة الشر والفساد والإفساد.
ما قدم القرآن شياطين الإنس على شياطين الجن إلا لعظيم خطرهم في ايحاء السوء والشر وإضلال الخلق وإغوائهم، ويكفي أن شر شياطين الجن يدفع بالاستعاذة بالله تعالى، لكن شياطين الإنس يحتاج في دفعها إلى المصانعة باللين، وأخذ العفو، والإعراض، مصداقاً لقوله تعالى: «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ. وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (الأعراف: 199 - 200).
يقول الشيخ الشنقيطي (في أضواء البيان..): «بين في هذه الآية الكريمة ما ينبغي أن يعامل به الجهلة من شياطين الإنس والجن، فبين أن شيطان الإنس يعامل باللين، وأخذ العفو، والإعراض عن جهله وإساءته، وأن شيطان الجن لا منجى منه إلا بالاستعاذة بالله منه، قال في الأول: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)، وقال في الثاني: (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم).


لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 16806

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم