25-04-2015 11:48 AM
بقلم : رائد عبد الرحمن حجازي
محسن وأصدقائه صباحاً في طريقهم لدار رسمي أبو الضباع الذي يدرسهم القراءة والكتابة , وكل واحد منهم يُعلق كيس من القِماش إما برقبته أو على كتفه (خُراطة) وهذا الكيس يحتوي على لوح خشبي وقطعة من حجر الحِثان (حجر طباشيري) والرسم العيني للحصة , والتي غالباً ما تكون أرغفة من الخبز أو بيض الدجاج أو بعض كميات الحبوب .
طبعا دار رسمي ليست مدرسة حكومية ولا خاصة وإنما كونه حافظاً للقرآن وأحكام التجويد كانوا الأهل يبعثوا الصبية له ليعلمهم مقابل الرسوم العينية .
يجلس الصبية كل واحد بمكانه المعتاد في إنتظار مُعلمهم أبو الضباع , هُم يعرفوا تاريخ رسمي في صيد الضباع وقوة قلبه وجبروته لذلك لا يستطيعوا إلا أن يلبوا كُل ما يُطلب منهم من واجبات .
يدخل رسمي ويطرح السلام ليقابله سلام جماعي من الصبية ,وبعدها يقول رسمي : ها اليوم شو عندنا ؟ ليجيبه أنور بهترته المعتادة : اليوم تورة التارعة , ما يقصده أنور ( سورة القارعة) . فيقول رسمي : ها سمعنا إياها يا أنور . وأثناء القراءة سمع رسمي ضحكات من مرعي (البُعط = ابو كرش) على تلاوة أنور , فيقول رسمي : بكفي يا أنور وخلينا نسمع أبو كرش ,ياالله chمل يا مرعي . لتنقلب حالة مرعي من الضحك للخجل مع إحمرار وجه , حيث بدأ بعد بسم الله الرحمن الرحيم بالقراءة مع تأتأةً في الكلام وهو يقول القارعة ما القارعة ويعيد الأية ويكررها , ليقطع عليه رسمي بقوله : أُخرى مانتيش حافظ وبتضحك على انور, والله لأهري بدنك تعال جاي . فينهض مرعي وهو يرتجف ويقول : والله يا سيدي غير غد اجي قاري مشان الله التوبة . لتعاجله ضربات خيزرانة رسمي على جنبيه .
وبعد أن أكل نصيبه من الخيزرانة عاد مرعي ليجلس مكانه والصبية يسترقون النظرات والضحكات على حالته . طبعاً الرابح الأكبر هو أنور .
عاد الدرس لمجراه وها هو رسمي يُكمل سماع السورة من الصبية مع تصويب الأخطاء لكل منهم . وبعد الإنتهاء قام انور بتقديم رسم الدرس وهو عبارة عن رغيفن من الخبز وقال لمعلمه : بتلم عليت ابوي وبحتيلت غد بديب بيد (بسلم عليك ابوي وبحchيلك غد بجيب بيض) وذلك من باب التعذر لضيق الحالة . ويتبعه محسن ويقدم ثلاث بيضات وثُمنية عدس, ليتبعه باقي الصبية بارغفة الخبز والبيض وبعض الحبوب .
تململ رسمي ابو الضباع وقال : إحchوا لأهلكوا لحلحوها شوي . فيسأله زعرور (الكُرزم) شو يعني يلحلحوها ؟ فيجيبه ابو الضباع : يعني إحchولهم في زيت وسمن وصيصان وزغاليل هو ما فيش غير هالخبزات والبيضات عندكوا .
قد تكون دراستهم قديماً بسيطة وعلى رأي المثل " قراية بيضة ورغيف " وخالية من التصنيفات العلمية , إلا أنهم حفظوا القرآن و أجادوا اللغة العربية بِقواعدها ونُطقها .
يا للأسف عندما أُشاهد من على شاشات التلفزة من يدّعون العِلم والمعرفة وهم يتلون بيان مطبوع ومُشَكّل وبخط قياس 36 , إلا أنهم يجروا الفاعل لدهاليزهم المظلمة , ويرفعوا المفعول به عن طريق الخير , وينصبوا المجرور دون رأفة أو شفقة . واه حسرتاه على لغتنا العربية .
لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا
لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا
لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا