حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الخميس ,28 مارس, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 42333

د. رجائي جميل حرب يكتب : القضية الارثوذكسية ليست مسيحية بل وطنية

د. رجائي جميل حرب يكتب : القضية الارثوذكسية ليست مسيحية بل وطنية

د. رجائي جميل حرب  يكتب : القضية الارثوذكسية ليست مسيحية بل وطنية

28-10-2014 01:00 PM

تعديل حجم الخط:

سرايا - سيستغرب البعض عندما يجدني كمسلمٍ أكتبُ في قضيةٍ عربيةٍ أرثودكسية، وأُسهبُ في الحديث عنها، وأسردُ تاريخاً من النضال الوطني استمر لخمسماية عام ونيِّف لم يتوقف فيه أبناء الرعية العربية الأرثوذكسية عن المطالبة بإصلاح شؤون كنيستهم المشرقية (أم الكنائس) من الهيمنة اليونانية كون الرعية العربية الأرثوذكسية في بلاد الشام عامة وفي الأردن وفلسطين هي الأكثر عدداً بين العرب المسيحيين، وتاريخ الكنيسة المقدسية يبين أنها كنيسة عربية المولد والمنهج والهوى، وهويتها تكاد تكون متعلقة برئاستها الروحية لا برعيتها العربية فقط.

ويأتي هذا الاستغراب من عوامل وقوى عديدة عملت على شتيت الهم الوطني، وأقامت الفواصل بين أبناء الوطن الواحد والدين الواحد وبنت الجدران العازلة التي فرَّقت أبناء الأمة العربية عن بعضهم تمهيداً لهضم حقوقهم وتفتيت جهودهم في التوحد للمطالبة بحقوقهم القومية المسلوبة، سواءاً كانت الدينية أو الجغرافية أو الديمغرافية.

ولكنني أُصر على أن أنحاز الى القضية العربية الأرثودكسية في مطالبتها بحقوقها الشرعية التي ضمنتها القوانين الدولية ومن بعدها الأردنية التي سأتلوها لاحقاً، وأؤكد على أنني سأتمترس خلف هويتي الإسلامية عندما تكون قضيتنا العربية إسلامية، وسأنحاز الى جانب إخوتي العرب المسيحيين عندما تكون قضيتهم عربية مسيحية.

وقد تبين لي ضرورة سرد بعض الحقائق التاريخية لأُجلِّي لمن فاته تاريخ القضية الأرثودكسية بعض الحقائق لفهم شرعية مطالبهم وأحقيتها.

فعلى مدى سنوات التاريخ المسيحي برزت قيادات شرعية عربية أرثوذكسية قادت نضال العرب الارثوذكس للتأكيد على حقوقهم المتمثلة بالمحافظة على الأوقاف الأرثوذكسية ورفض بيعها أو تأجيرها كونها تشكل إرثاً عربياً أرثوذكسياً، والمطالبة المستمرة بالنهضة الروحية الأرثوذكسية من خلال السماح للعرب الأرثودكس الدخول في سلك الرهبنة، ما يستدعي الوقوف بكل شجاعةٍ كمسيحيين ومسلمين، وكأبناء أمة واحدة وأبناء وطن واحد، في وجه هذا التقزيم والتهميش الغربي عامةً واليوناني خاصةً لقدرات إخوتنا العرب الارثودكس في رعاية كنيستهم بأنفسهم كونهم الأحفظ لحقوقهم من غيرهم.

إن الرعية الأرثودكسية هي رعية عربية بامتياز، وتعود أصولهم الى الغساسنة والمناذرة والتغالبة، وهم عربُ أقحاح. والمتتبع للتاريخ الأرثودكسي يجد أنه يعج بالأساقفة والبطاركة العرب، فمنهم الأسقف يعقوب الرسول الذي قُتل على يد اليهود عام 62 للميلاد، وأتى من بعده أخاه سمعان، والذي قتله اليهود أيضاً، والبطريرك إيليا النجدي، والبطريرك صفرونيوس الدمشقي، الذي استقبل الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وسلَّمه مفاتيح القدس عام 643م، والبطريرك يوحنا الذي منع الصلاة في الكنائس الا باللغة العربية، والبطريرك الطبيب توما والبطريرك مرقس، وتمتد قائمة هؤلاء الوطنيين الأشراف الذي آمنوا بالله أولاً وبالوطن ثانياً وحافظوا على إرثهم الديني لنصل الى هذا البطل الجاثم على صخرة الصمود في وجه أبشع كيان صهيوني غاشم ويصرخ بكل جرأةٍ صباحاً ومساءاً لإنهاء الاحتلال وهو البطريرك عطاالله حنا.

وعندما احتل الفرنجة بيت المقدس عام 1099م، قتلوا العرب الأرثودكس كما قتلوا العرب المسلمين، واستولوا على كنيسة القيامة وعلى عددٍ كبيرٍ من الكنائس التي كانت قائمةً على أرض فلسطين. حتى أتى صلاح الدين الأيوبي بعد 88 سنة وفتحها عام 1187، وبمعاونةٍ كبيرةٍ من الأرثودكس العرب الذين قاتلوا للدفاع عن أرضهم العربية وتحريرها من الغاصبين. ولا ننسى من قادتهم البطل الكبير عيسى العوام المعروف بصحبته وقربه من صلاح الدين الأيوبي.
وظلت الرئاسة الروحية للكنيسة الأرثودكسية في هذه المنطقة عربيةً حتى منتصف القرن السادس عشر، حين أٌنتُخِبَ البطريرك جيرمانوس اليوناني عام 1534، الذي كان يجيد اللغة العربية إجادةً تامةً، وربما يكون هذا هو السبب الوحيد الذي شفع له لرئاسة الكنيسة، ولكنه كان غير أمين ٍ في منصبه لأنه حصر الرئاسة الروحية من بعده بالعنصر اليوناني، وجاء بعده البطريرك ثيوفانس عام 1608، فاحتج الكهنة والرعية العربية الأرثودكسية عليه، لكن السلطان العثماني إبراهيم دعم موقفه وأصدر مرسوماً ظالماً منع فيه أياً من أبناء الكنيسة المقدسية الأرثودكسية من الوصول الى أية درجةٍ من الدرجات الأكليروسية أو الرهبانية. وتبعه البطريرك اليوناني ذوسيثيوس الذي وضع القانون الأساسي لأخوية القبر المقدس والذي منع فيه قبول أي عربي أرثودكسي من فلسطين وشرق الأردن في عضويته، وكان هذا القانون يمثل قمة العنصرية والاضطهاد للحقوق العربية الأرثودكسية.

وعلى مدى الثلاثة عقود الأخيرة من عمر الدولة العثمانية استمر الارثودكس بالمطالبة بحقوقهم الكنسية وكانوا في ذلك بين جذب وشد، حتى صدرت اتفاقية سايكس بيكو التي وضعت فلسطين وشرق الأردن تحت الانتداب البريطاني، فأصدر مندوبها السامي قانون البطريركية الأرثودكسية عام 1921 الذي لم يراع فيه حقوق الرعية الأرثودكسية العربية وخالف آمالها الوطنية، ما دفع العرب الأرثودكس من كل المدن الفلسطينية والأردنية عام 1923 لعقد المؤتمر العربي الأرثودكسي الأول في مدينة حيفا والذي تمخض عن تشكيل لجنة تنفيذية عليا لرسم خارطة طريق المرحلة القادمة في ظل الانتداب البريطاني. وصدر القسم الأرثودكسي الذي يقسم بالله العظيم وبصليب سيدنا المسيح عليه السلام وبالانجيل المقدس أن يحافظ المجتمعون في المؤتمر بكل قواهم على قرارات المؤتمر الأرثودكسي العربي الأول، وعدم الانحياز الى الاعداء المناهضين لتلك النهضة الارثودكسية، مع تحمل المسؤولية أمام الله ويشهدوه على ذلك.

وفي عام 1925، شكلت بريطانيا لجنة برئاسة القاضي أنطون برترام ومساعده يونج خلُصتْ الى أن الأرثودكس ضحيةَ تطور تاريخي، وأنهم سكان البلاد الأصليين، موطن الرسالة المسيحية السمحة، وأن أخوية القبر المقدس التي صبغت البطريركية بصبغة يونانية كانت قد فرَّطت بحقوق العرب الأرثودكس وتجاهلت مطالبهم المشروعة.

وأوصت اللجنة بضرورة إزالة الآثار السلبية التي أحاطت بالعرب الأرثودكس وتعديل القوانين الناظمة لذلك، مع منحهم مزيداً من المشاركة في إدارة كنيستهم، الا أن اليونان رفضت كل هذه التوصيات، وادعت عدم أحقية حكومة الانتداب البريطاني في فرض أية قوانين.

ثم عقد المؤتمر العربي الأرثودكسي الثاني في يافا عام 1931، والمؤتمر الثالث في القدس عام 1944 والرابع في القدس عام 1956 بعد وحدة الضفتين وتحت الحكم الهاشمي، حيث صدر عنه موقف رسمي وشعبي عام يتضامن بالكامل مع مطالب العرب الأرثودكس ويعتبر القضية الأرثودكسية جزءاً لا يتجزأ من القضية العربية الوطنية.

وصدر عن حكومة سليمان النابلسي قانون البطريركية الأرثودكسية لعام 1957 والذي استبدل بقانون رقم 27/1958 زمن حكومة سمير الرفاعي، والذي نظم العلاقة مع الرعية المحلية والأكليروس العربي وقضايا عقارات الكنيسة، الا أن رجال الدين اليونان لم يطبقوا هذا القانون حتى اليوم. وبقيت عمليات بيع وتأجير الأراضي والأوقاف الأرثودكسية الى اليهود الصهاينة قائمةً الى يومنا هذا. وجاء المؤتمر العربي الأرثودكسي الخامس عام 1992 في عمان، وتبعه إجتماع 2007 الذي أعاد التذكير بالحقوق التاريخية للعرب الأرثودكس.

ويمكن القول في النهاية أن القضية الأرثودكسية هي قضية تخص كل أبناء الأمة العربية من مسلمين ومسيحيين لأنها قضيةٌ تتعلق بالمحافظة على الأملاك والأوقاف العريبة الإسلامية والأرثودكسية ووقف تهويدها وتسريبها للجماعات الصهيونية التي تدفع مبالغ طائلة لتوسيع موطيء قدمها على الأرض العربية بغض النظر عن الدين أو العرق أو المذهب.

ويجد المتتبع لحراك الشباب الأرثودكسي ومن والاهم من الوطنيين المخلصين والمدافعين عن قضايا أمتهم أنهم ما زالوا يطالبون بنفس الحقوق منذ 500 عام وهذه كلها مطالب جماعية شرعية ولا تزول بالتقادم.

إنني كعربيٍ مسلم وملتزمٌ بكل قضايا أمتي العربية رغم اختلاف العرق والدين والجنس، وبناءاً على موقف القائد الأرثودكسي العظيم عيسى العوام الذي جاهد في سبيل الدفاع عن حقوق الأمة العربية وأرضها وشعبها وحمى بيت المقدس مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم ومعراجه الى السموات العلى، أدعو كل أبناء الأمة وقواها الحية وأحزابنا الوطنية الأردنية وقوانا الوطنية الحرة وأصحاب القلوب الحية والعقول النيِّرة وأصوات الحق والأقلام الجريئة وحكومتنا الرشيدة، التي يجب أن تدافع عن الثوابت الدينية أولاً والوطنية ثانياً والعربية ثالثاً، أن تقدم، وبشكل مباشر، كل الدعم لهذه القضية العربية الأرثودكسية العادلة بعيداً عن لعبة المصالح وهيمنة السياسة وكولسات الأبواب المغلقة، وأن نكون على قلب رجل واحد كون هذا النضال العربي الأرثودكسي الطويل هو حقٌ من حقوق تقرير المصير، وينبع من صميم رسالة عمان التي أطلقها جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم الى العالم وركز فيها على بناء ثقافة الوئام والاحترام بين أتباع الديانات، إنطلاقاً من احترام حقوق الإنسان وصون كرامته والمحافظة على حريته، ومن ثوابت الدولة الأردنية القائمة على أننا أسرة واحدة مهما اختلف عرقنا أو ديننا أو جنسنا، ولا بد أن نتعاضد لتقوى شكيمتنا لأننا كالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

د. رجائي جميل حرب 
دكتوراه الفلسفة السياسية


لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 42333

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم