حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الجمعة ,29 مارس, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 60253

الفرق بين المعجزة ودلائل النبوة

الفرق بين المعجزة ودلائل النبوة

الفرق بين المعجزة ودلائل النبوة

18-09-2014 11:15 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. سامي عطا حسن
من الملاحظ أن بعض الكاتبين في إعجاز القرآن لم يفرقوا بين المعجزة ودلائل النبوة عامة، بينما عمد مشاهير المحدثين إلى التفريق بينهما، فترجموا الكتب والأبواب المتصلة بالنبوة تحت عنوان: «علامات النبوة»، كما فعل البخاري في صحيحه، أو «دلائل النبوة»، كما فعل البيهقي وغيره. ويراد منها: كل دليل يثبت نبوة محمد " صلى الله عليه وسلم" ويبرهن على صدقه، من دون تقيد بشروط معينة، فتشمل السمات والعلامات الخاصة في جسده الشريف " صلى الله عليه وسلم" ،
وتبشير الكتب السماوية السابقة ببعثته. لكن تعريف المعجزة يؤكد أن من شرائطها: «اقترانها بالتحدي»، إذ يتحدى النبي " صلى الله عليه وسلم" الناس، فيعجزون عن الإتيان بمثلها، فيثبت ذلك في أفئدتهم اليقين بأن الله أجراها على يده تصديقا لنبوته، وتأييدا لدعوته، فكل معجزة علامة على نبوة صاحبها حتما، ولكن ليس كل علامة أو دليل على النبوة أمرا معجزا خارقا للعادة مقرونا بالتحدي. فالمعجزة أخص من الدليل والعلامة. ولم يجعل الإمام ابن حزم التحدي من شروط المعجزة، وفي تقرير هذا المعنى يقول: «إن اشتراط التحدي في كون آية النبي آية دعوى كاذبة، سخيفة، لا دليل على صحتها، لا من قرآن، ولا سنة صحيحة ولا سقيمة، ولا من إجماع، ولا من قول صاحب، ولا من حجة عقل، ولا قال بهذا أحد قط قبل هذه الفرقة الضعيفة». ثم يقول ابن حزم: «إنه لو كان ما قالوا لسقطت أكثر آيات رسول الله " صلى الله عليه وسلم" ، كنبع الماء من بين أصابعه، وإطعامه المئين والعشرات من صاع شعير وعناق (العناق: هو الجدي الصغير)، ومرة أخرى من كسر ملفوفة في خمار، وكتفله في العين فجاشت بماء غزير، إلى اليوم، وحنين الجذع، وتكليم الذراع، وشكوى البعير، والذئب، والإخبار بالغيوب، وتمر جابر، وسائر معجزاته العظام، لأنه " صلى الله عليه وسلم" لم يتحد بذلك كله أحدا، ولا عمله إلا بحضرة أهل اليقين من أصحابه رضي الله عنهم» (1).
وفي المعنى نفسه يقول الإمام ابن تيمية: «إن عامة معجزات الرسول " صلى الله عليه وسلم"
لم يكن يتحدى بها، ويقول إئتوا بمثلها، والقرآن إنما تحداهم لما قالوا إنه افتراه، ولم يتحدهم به ابتداء، وسائر المعجزات لم يتحد بها، وليس فيما نقل تحد إلا بالقرآن» (2).
وهذان الإمامان العظيمان لا ينكران تحدي الرسول " صلى الله عليه وسلم" للمعارضين بالقرآن، كما هو واضح في منطوق ومفهوم آيات التحدي، إنما ينكران التحدي في بقية المعجزات. وهما محقان فيما ذهبا إليه، لأن ما ذكراه من خوارق هو في الحقيقة آيات، وليست معجزات فلم يتحد أحدا بها.
وهذا نتيجة الخلط بين «الآية والمعجزة»، فهما وإن اتفقتا في كونهما خارقتين للعادة، إلا أن المعجزة تنفرد بأنها يقصد بها التحدي، فلا تكون إلا بطلب من النبي " صلى الله عليه وسلم" . والآية لا يقصد بها ذلك، فلا يلزم أن تكون بطلبه ولا بإرادته.
فانقلاب العصا ثعبانا آية ومعجزة، لأنه قصد بها التحدي.
وانفلاق البحر آية، لأنه قصد به إنجاء موسى -عليه السلام- ومن معه، وليس بمعجزة لأنه لم يقصد به التحدي.
وفرار الحجر بثوب موسى، قصد به تبرئته، وليس بمعجزة لعدم التحدي.
وانشقاق القمر آية ومعجزة أيضا، لأنه وقع بطلب من النبي " صلى الله عليه وسلم" تحديا للمشركين.
ونبع الماء من أصابعه الشريفة آية وليس بمعجزة، لأنه وقع إسعافا للصحابة بالماء في وقت عز وجوده فيه. عن جابر "رضي الله عنه" قال «عطش النـــاس يـــــــــوم الحديبيـة فـــــــــأتوا رسول الله " صلى الله عليه وسلم" وبين يديه ركوة وقالوا: ليس عندنا ماء نتوضأ به ولا نشرب، إلا مــا فــــــي ركــــــــوتك، فـــــوضـــع رسول الله " صلى الله عليه وسلم" يده في الركوة، فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون، فتوضأنا وشربنا. وقيل لجابر: كم كنتم يومئذ؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا عشرة مائة» (3).
وحنين الجذع آية، وليس بمعجزة لعدم التحدي.
وحمل مريم -عليها السلام- كان آية، قصد به إظهار قدرة الله في إيلاد الأنثى من غير مسيس ذكر، وقد حصل كرها، حتى قالت: {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا}
(مريم:23)، لكنه ليس بمعجزة لعدم نبوة مريم.
وكلام عيسى -عليه السلام- في المهد آية، حصل لتبرئة مريم، وليس بمعجزة لعدم التحدي، وقد قال تعالى: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ}
(المؤمنون:50). فكل معجزة آية، وليس كل آية معجزة.
فناقة صالح -عليه السلام- معجزة، لأنهم تحدوه أن يخرج لهم ناقة ومعها فصيلها من صخرة عينوها له، فخرجت الناقة كما أرادوها.
وعصا موسى -عليه السلام- معجزة، لأنها من جنس ما اشتهر به قوم فرعون في تلك الأيام، وهو السحر، فعصا موسى ليست بسحر، وإن كانت شبيهة به. لذا، عندما التقى موسى بالسحرة وألقوا حبالهم وعصيهم التي خيل إليه من سحرهم أنها تسعى، فأوجس في نفسه خيفة موسى، ولو كان ساحرا لما خاف، لأن الساحر لا يخاف من السحر، فألقى عصاه فابتلعت كل ما صنعوا من السحر، ثم عادت كما كانت عندما التقطها موسى -عليه السلام.
ومعجزة عيسى -عليه السلام- كانت من جنس ما اشتهر به قومه، إذ كان الفريسيون -وهم فريق من اليهود- قد أقنعوا عامة اليهود بقوة السحر على شفاء الأمراض، وطرد الجن من أجساد الناس، وما شابه ذلك، لكنهم لم يستطيعوا إحياء الموتى، أو إبراء الأكمه والأبرص، كما كان يفعل عيسى -عليه السلام- بإذن الله.
وقد انتهت المعجزات بموت الرسل وانتهاء الرسالات، ولم يبق لنا إلا معجزة محمد " صلى الله عليه وسلم" ، وهي معجزة عقلية بلاغية فصاحية، وكانت من جنس ما اشتهر به العرب الذين بعث فيهم محمد " صلى الله عليه وسلم" ، وتحداهم أن يأتوا بمثله، ثم بعشر سور من مثله، ثم بمثل أقصر سورة منه. وقد ثبت عجزهم، ولو استطاعوا لما تخلفوا عن ذلك، إذ كانوا حريصين على تكذيبه، ولوفروا على أنفسهم كثيرا من الدماء التي سالت فيما بينهم وبين المسلمين. وقد نشرت الكتب الكثيرة التي تبحث في إعجاز وأسرار القرآن البيانية، والعلمية، والطبية، والفلكية، وغير ذلك، مما يدل على أن القرآن ليس كتاب أمة واحدة، ولا عصر معين، إنما هو كتاب الدهر بأجمعه، وحجة الله القائمة مدى الحياة، ونور العقول الحرة، وسراجها مهما ارتقت، وأدب الطبيعة الإنسانية حيث حلت، وأنى وجدت، ولغة الحياة، إذا تكلمت خشعت الأصوات لها، فلا تسمع إلا ركزا.

هوامش
1 - انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل، ابن حزم، 5: 7.
2- انظر: النبوات، ابن تيمية، 2: 794.
3- انظر: فتح الباري، ج6، 378.



لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 60253
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم