بيت العرب و بيت العنكبوت

12-04-2014 09:42 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم :
بيت العرب الذي يتمثل في جامعة الدول العربية كان حلما وأمنية وأملا يراود افئدة الشعب العربي في كل اقطاره ، وقد اصبح هذا الحلم واقعا ملموسا قبل ما يزيد عن نصف قرن ، حيث اسس بنيان هذا البيت الكبير على اعمدة من ميثاق ارتكز على مبادىء الاحترام والاستقلالية والسيادة لكل الاقطار العربية ، كما حرص هذا الميثاق على تأكيد حرية السياسة لكل قطر ، وان لا ضرورة لسياسة موحدة ، فكان لهذا التأكيد ان احدث خرقا في العباءة العربية - فيما بعد - يصعب رتقه حتى كاد يبليها .
لقد ورد في اهداف انشاء هذا البيت العتيد السعي الحثيث لتوثيق عرى الصلات بين الاقطار العربية في مختلف المجالات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والصحية ، والمحافظة على أمن المنطقة العربية وصيانة استقلالها ، ولتحقيق هذه الاهداف انشأت العديد من المؤسسات ، وابرمت الكثير من الاتفاقيات، وانفقت الملايين من الدولارات لتوثيق هذه الصلات في مختلف المجالات.
نعم كان من اهم اهداف انشاء الجامعة العربية (بيت العرب) هو توثيق عرى الصلات ، وتمتين الروابط فيما بين العرب على اساس من الاحترام والاستقلال والسيادة لكل بلد ، وبذل الجهود وتوجيهها لما فيه خير العرب قاطبة ، وصلاح امورهم ومعايشهم واحوالهم ، وتامين مستقبلهم وتحقيق آمالهم وامانيهم في الرفاه والازدهار والتقدم والمنعة ، وتحرير المغتصب من اراضيهم ، وتحقيق الوحدة العربية كهدف بعيد آت. وبعد فترة وجيزة من بناء هذا البيت – وللاسف الشديد - اخذت الخلافات والصراعات الخفية والظاهرة تنتابه وتزحف اليه من كل صوب وحدب ، كان من اهم اسبابها التبعية والتدخلات الاجنبية التي جعلت من القوميات والطائفية والعنصرية والجهوية والزعامات وقودا لهذه الخلافات التي استشرت بين الحكام عبر الحدود . فلا عجب او مغالاة ان تكون السمة الغالبة لهذا الزمن العربي الرديء المعاصر ، سمة خلافات مرضية تجذرت واستوطنت ، وكادت ان تفتك بالاخوة العربية وبيتها المتهلهل ، واوشكت على تفكيك اواصر العروبة والتاريخ والاصول والدين..
لقد حادت جامعة الدول العربية عن مهمتها الاساسية ، وتراجعت عن تحقيق اهدافها في توفير اسباب التضامن والتعاون والتكامل والوحدة المأمولة ، وجنحت لرغبات اطراف معينة وتاثيرات الاقوياء ، وبذلك اصبح البيت العربي والحالة هذه ليس بافضل من بيت العنكبوت وهنا وضعفا ، ذلك الذي وصفه رب العزة بقوله " مثل الذين اتخذوا من دون الله اولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا ،وان اوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون"وبيت العنكبوت هذا لا ياتيه الوهن والضعف من خيوطه العنكبوتية ، تلك الشبكة الحريرية التي هي اقوى من خيوط الفولاذ بل ومن جميع المعادن الاخرى من حيث مادته النقية ، وسماكته المجهرية - كما اثبت ذلك العلم الحديث- حيث ثبت ان الخيوط الحريرية التي تفرزها انثى العنكبوت لو جمعت بسماكة الاصبع لاستطاعت حمل طائرة بكامل ركابها ، فهذه الخيوط على درجة عالية من القوة والمتانة والمرونة ، مما دعا الجيش الامريكي ان يصنع منها ملابس مضادة للانفجارات . وهي خيوط مصنوعة من سائل بروتيني يتصلب عند ملامسته الهواء ، ويمكنه التمدد إلى خمسة اضعاف طوله قبل قطعه ، وهو اقوى من الفولاذ ب 20 مرة ، ومن الالمنيوم ب29 مرة ، وقد سماه العلماء الفولاذ الحيوي، او الفولاذ البيولوجي او البيوصلب ، لقد ثبت ان خيوط بيت العنكبوت التي تنسجها الانثى هي الاقوى على الارض.
اما وهن بيت العنكبوت الحقيقي فهو ما يأتيه من وهن العلاقات الاسرية والاخلاقية السيئة بين افراد العائلة العنكبوتية ، وليس من المادة الانشائية ، فبيت العنكبوت المقصود هو الاكثر ضعفا ووهنا وهشاشة في العلاقات بين افراده ، حيث تسود فيه الخيانة والغدر والقسوة والتفرقة والتفكك الاسري ، وهو بيت محروم من معاني المودة والرحمة والتواصل التي يقوم على اساسها البيت السعيد ، فالانثى في هذا البيت تقضي على ذكرها ؛وذلك بقتله وافتراس جسده ؛ لانها اكبر منه حجما واشد منه شراسة ، وفي بعض الحالات تلتهم الانثى صغارها دون رحمة ، وعندما يفقس البيض يبدأ الاخوة الاشقاء في الاقتتال والتطاحن من اجل الطعام ، او من اجل المكان ، او من اجلهما معا ، فاذا ما انتهت المعركة يبقى عدد قليل من العنيكبات .
لقد ثبت ان بيت العنكبوت في علاقاته الاسرية اكثر شراسة ووحشية وانعداما لاواصر القربى، ومن هنا ضرب الله هذا المثل ببيت العنكبوت لافتقاره إلى ادنى اواصر التراحم بين الزوجين ، او بين الام وصغارها ، والاخوة والاخوات فيما بينهم،
فالبيت هنا يعنى العلاقات الاسرية المتفككة والسيئة وليس البيت المادي بخيوطه ونسيجه المعروف.
اما البيت العربي ،فقد اظهرت قمة الكويت الاخيرة الخلافات العربية على حقيقتها من التجذر والتازم ، حيث ظهرت جلية واضحة لكل ذي بصيرة - مع ان هذه القمة عقدت تحت شعار( قمة التضامن من اجل مستقبل افضل)- ولكنها عقدت في ظلال اجواء عاصفة ،وحالة من الفرقة والشرذمة والصراعات والانقسامات ،وبات الشعب العربي في كل اقطاره ضحية هذا التمزق والتفكك والتشرذم ، واستبعدت فيها اسباب المصالحة ، حيث خيمت الخلافات الحادة مكشرة عن انيابها في الرؤى والمواقف، وبرزت توترات متعصبة في العلاقات ، حتى انطلقت من داخل القمة نفسها تحذيرات من مخاطر هذه الخلافات الشديدة - حين قال احد الرؤساء العرب - انها باتت او كادت تعصف بالوجود العربي والآمال العربية ، وبرزت الملفات الشائكة والخلافات الثنائية والتنافسات المستشرية ، تمثلت في الانسحابات من المؤتمر التي كادت ان تفجر البيت العربي من داخله، لقد جاءت قمة الكويت لتكشف المستور، وتفجر كمائن الصدور ،وتنذر بعواقب الامور ، وتاتي بشر مستطير ،بالرغم من ان عقد هذه القمة كان استثنائيا لما حفل به واقع البيت العربي من خلافات، فلربما لم تحقق هذه القمة نتائج سياسية بارزة، او حتى لم تستطع تحقيق اختراقات لكسر جليد هذه الخلافات المتراكمة والمزمنة.
لقد اشمل جدول اعمالها على علاقات خلافية شائكة كادت تؤدي إلى انهيار هذه القمة ؛فقد اجتمع العرب بهدف تطويق الخلافات ومنع امتدادها وتوسعها فاذا بقضايا هذه الخلافات تتعسر وتتعقد ، وتطوقهم من كل جانب، وتمتد وتتسع اكثر فاكثر ،حين القت الازمة السورية بظلالها السوداء القاتمة على المؤتمر، وكادت تعصف به ؛ لقد ازدادت الخلافات والتوترا ت
والتباينات في الموقف، واتسعت شقتها وكانت الخلافات القديمة والحديثة اشبه بقنابل موقوته تكاد تعصف بالمؤتمر وبيت العرب كله ، ومما زاد الطين بلة ان برزت تحديات ومشكلات وخلافات كثيرة اخذت تتعمق بتداعياتها وتلقي بظلالها على النفوس المستنفرة.
او ليس لنا بعد هذا ان نقول ان البيت العربي اوهي من بيت العنكبوت واضعف، او هو ليس باحسن حالا منه ،وما اشبه البيتين بعضهما ببعض، وما اشد تشابههما.
فهل اصبح البيت العربي حقا اوهى من بيت العنكبوت ؟!