حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,20 أبريل, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 86945

في رثاء العم أبو مجدي .. بقلم : وليد الخالدي

في رثاء العم أبو مجدي .. بقلم : وليد الخالدي

في رثاء العم أبو مجدي ..  بقلم : وليد الخالدي

02-03-2013 11:04 AM

تعديل حجم الخط:

سرايا -
(بعد مرور 40 يوما على رحيله)

إن أصعب ما في الكتابة هو المقدمة، وأصعب ما فيها أن تكون عن شخصية عظيمة بكل ما في الكلمة من معنى وأكثر فهو من القلائل الذين أعطوا للمعنى معناه وهو الحاضر كان وسيبقى في ذهن كل من التقى به وشاركه فكرة أو حواراً أو قصة من الماضي أو تحليلا لحالة أكانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو عاطفية أو أي منحى من مناحي الحياة بأسلوب هادئ، رائع، مقنع لأنه ينبع من الاقتناع بالفكرة وإلا لما أعارها اهتماما. يفرض احترامه على القاصي والداني حيث يحترم الكبير والصغير كلاّ حسب قدره وطموحه وفهمه لموضوع الحوار سواء العلم به أو الظروف المحيطة والمؤثرة فيه. هذا بعض من المزايا التي كان يتسم بها العم الحبيب الراحل الباقي، تلك المزايا حاضرة في ذهن من عايشه وعرفه أو حتى التقى به، فأنا بعض من هذا الكل الهائل الذي عرف العم الراحل ولكن سأفرد الفقرات التالية للحديث عنه من أعماق أحاسيسي ومشاعري المكلومة بفقده.

سأعود للماضي قليلا وبالذات "ليلة القدر" في رمضان "2011" عندما داهمتنا فاجعة وفاة ابن اختي بلال في الحادث المشؤوم، وقد تملكني الحزن العميق بعدها لفترات طويلة امتدت إلى أشهر. وحين ابتدأ الإحساس بالحزن يتضاءل، عاد بقوة أكبر هذه المرة في الزائر الخاطف الذي خطف منا دون سابق إنذار أو توقع.. خطف أخي عصام ، موت ألقى بظلال سوداء من الذهول والحزن، وفي هذه المرة وضع الجميع، ومنهم العم الراحل، أمام حقيقة الموت. ومع أن الإيمان بالقدر والنهاية جزء من الإيمان الكلي بالحياة والموت ويساعد في التمسك بالصبر عند نزول المصائب إلا أن المصاب كان جلل، وهول الصدمة مع ما رافقه بفقد الأخ الحبيب كان أكبر من التحمل ولو بعد حين، ومن المفارقات أن يكون عمي الراحل هو الذي بلغني بالوفاة وكنت منهاراَ عند سماع الخبر بنفس القدر الذي كنت فيه منهاراً خوفا على العم من الصدمة وما يعانيه من قبل من آلام أو ما قد يعانيه بعد الخبر... مشاعر محفورة في الذاكرة فتلك الذاكرة اللامتناهية السعة فيها الكثير الكثير من مشاعر الحزن وأحياناً الفرح، ولكن هناك البعض اليسير من المشاعر يتميز بلحظات فارقة نتوقف عندها في كثير من الأحيان، لا أدري.. لعل لحظات الحزن تبقى ماثلة في المخيلة لفترات أطول وبقوة أكبر من لحظات الفرح.

إن ما أكتبه من خواطر عن العم الراحل، برغم الحزن العميق الذي يتملكني عند الحديث عنه ، أرى جزءاَ كبيراً منه في عيون الأهل وخاصة أبناء العم وبالذات الدكتور مجدي فقد التقيته بصحبة عمي أكثر من غيره وتداولنا الكثير من الأفكار حول العلاج والتحسن والمعاناة والأمل وعشنا بشكل أقرب معاناة العم وتعلّمنا من صبره الكثير. أقول عندما أكتب عن فقده وهو حقيقة لا تقل وقعاً عن افتقاده بالنسبة لي فإني افتخر بأنني كنت الأقرب إلى نفسه ومشاعره ومشاركته في الفكر والشعر والأدب والسياسة والنظرة التحليلية للواقع العربي والعائلي، وهذه أسباب تجعل كل من سمع عنه أو عرفه يجلّه ويكبره فقد كان متابعا لكل المستجدات رغم أن من يعاني بمثل ما يعاني به لا يمكن له أن يفكر بأي أمر آخر. نعم افتقده فكلّما سكنتُ إلى نفسي أفتح شريط الذكريات.. شريطا مليئاً بصور كانت تجمعنا، وكان العم الراحل فيها عنوانا للصبر على الآلام والتظاهر بالسعادة رغبة منه في عدم إفساد سعادة الآخر فهذا ولا شك مثل نادر الوجود في التفاني والتحمل، مثل عشناه جميعا ولم نقرأ مثيلا له في التاريخ.


-2-


لعل من الإنصاف القول بأن هذا "العم النموذج" كان متفرداَ في هذا النموذج إذ كان مدرسة في كل شيء، فهو المعلم كمهنة وحقيقة.. مهنة ابتدأ بها وانتقل فيها من تعليم الأجيال إلى إرساء قواعد جديدة بعيدة عن التقليد في التدريس ومن ثمّ تجاوزها إلى خلق منهج للتفكير فكان محط إعجاب كبير في الفكر الثقافي والأدبي ثم السياسي وكان بأسلوبه الراقي يفتح آفاق الفكر لدى الآخر أكان الآخر محاورا أم مستمعا، لهذا يجب القول بأنه كان مدرسة متكاملة، وأنا عندما أقول هذا وأنا الأقرب إلى نفسه حتى من بعض أبنائه أعرف أنه كان مثالا يٍُحتذى به... يعرف كيف يجعل الآخر يبحث عنه في المجالس، لأنه يعرف ماذا يقول ولمن يقول.. كان جريئا في الحق صادقا في المشاعر والنوايا مخلصا لمن يحب وخصما عنيدا عندما لا يفهمه جهل الأخر.. كان يعرف كيف يتكلم وكيف يلبس وكيف يأكل فله ذوق رفيع في كل هذا، وكان محبا للحياة، يستمتع بمباهجها عندما تتوافر، ولكنه يعيش بمباهج رائعة حتى ولو بإمكانيات متواضعة.. فلا يتوقف عند حدود السعادة الضيقة بل ينطلق إلى آفاق أرحب وبنفس كبيرة تتعايش مع كل الظروف بحكمة واقتدار.

في هذه العجالة، وفي لحظات اغروراق المشاعر بدموع الفقد والحزن لا يسعني إلا أن أذكر النزر اليسير مما قد تسعفني به الذاكرة من مزايا الراحل الكبير فتاريخه حافل بكل الفضائل وليس لأحد عاش معه إلا وله قصة تروى أو واقعة يستشهد بها كدليل، وان كانت سيرته الطيبة أبعد من أن تكون بحاجة إلى إثبات أو دليل على طيب السجايا التي كان يتمتع بها العم الكبير فهو الكبير بفكره وعطائه وحنوّه على من يحب وتسامحه لمن يكره وهو الكبير حتى في تواضعه وطيب أخلاقه. أذكر هنا بعض ما أسرّ لي به ذات يوم عندما كان على خلاف مع عزيز عليه وعلّي: إن الإنسان حينما يغضب يقول أسوأ ما عنده، وحين العودة للذات يجد من كرم الأخلاق العودة عن الخطأ حتى لو لزم الأمر الاعتذار فإن الغضب هو الريح التي تطفئ نار الحكمة..

لقد فقدت العائلة برحيل العم هامة شامخة رغم نحول الجسم، ومنارة مشعة تهتدي بنورها الأجيال ممّن تتلمذوا على يديه أو استمعوا لكلماته وعاشوا معه أو حتى من عرفوه من قريب أو صديق قريب أو بعيد، وسيبقى في الذاكرة هكذا، وستبقى سيرته مشعة بإلهام أفكاره وجمال بسماته بعد انحسار الأفكار وغياب البسمة، ستبقى محفورة في الذاكرة.

بعد هذه المناجاة عن الفقيد.. أتوجه بالمناجاة لروح الفقيد.. أتوجه بكل إجلال ومهابة لأقول لك أيها العم العزيز والغالي، لقد كنت دائما عزيز النفس، نقي المشاعر، راقي الفكر، كبيراَ في كل شيء، معلّما لحسن الأخلاق والمكارم، وقد عانيت من الآلام أشدّها ثم غادرتنا بعد أن تركت فينا سيرة نفتخر بها وبك وستبقى بكل ما فيك جميل منارة نهتدي بها ومعلماً مميزا في تاريخ العائلة الكبيرة والصغيرة التي أحبتك وأنا من هذه العائلة الذي أحبك وصادقك وقدّرك كما لم يقدّر احداً بمثل هذا التقدير لأنك تستحق كل هذا وأكثر.. أقول لك فلتهنأ روحك في مستقر العلى ، مبتهلا إلى الله العلي القدير أن يسكنك فسيح جناته وأن يلهم كل من أحبك وحزن لفراقك الصبر على هذا الفراق الصعب، وستبقى سيرتك العطرة ماثلة فينا إلى أن نلقاك يوم اللقاء الأبدي.

"ابن أخيك الذي اعتاد عليك ولن ينساك "أبو خالد"


لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 86945

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم