حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الخميس ,28 مارس, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 28252

الأمير الحسن: حراك الشباب العربي نابع من إرادة حقيقية ووعي وطني

الأمير الحسن: حراك الشباب العربي نابع من إرادة حقيقية ووعي وطني

الأمير الحسن: حراك الشباب العربي نابع من إرادة حقيقية ووعي وطني

04-01-2012 05:26 PM

تعديل حجم الخط:

سرايا - سرايا - قال سمو الأمير الحسن بن طلال، رئيس منتدى الفكر العربي، إن انبعاث الارادة العربية من جديد اليوم يثبت أن الشعوب لم تكن جثثا هامدة كما كان يروج في السابق.
 
وأكد سموه، في حوار خاص أجراه موسى عساف لـ»الوطن» البحرينية، أن الثورة الحقيقية هي تلك التي تنجح في تغيير المفاهيم لاشراك المواطنين في صنع القرار، وتعاملهم كأصحاب حق وقضية، وهي تلك التي تنجح في خلق التغيير في الذهنية العامة السائدة في المجتمع، مشيدا بالطابع السلمي الذي غلب على هذه الحركات.
 
وأشاد سموه بموقف الحكومة البحرينية من الأحداث الأخيرة، وقيامها بتشكيل لجنة مستقلة لتقصي الحقائق. وقال إن مواقف البحرين من الأحداث جديدة على المنطقة وتستحق الإشادة والإكبار.
 
وأشار الأمير الحسن إلى أن المنطقة تتعرض لضغوط سكانية تؤدي إلى ازدياد في معدلات الفقر والبطالة، وهو ما يؤدي إلى ضعف انتماء الأفراد إلى مؤسساتهم ومجتمعاتهم وتقوية انتماءاتهم الفرعية.
 
وتاليا تفاصيل الحوار.
 
* الوطن»: كان العام 2011 عاما حافلا بالأحداث ولعل أبرزها هي الثورات العربية، فهل العالم العربي معرض لمزيد من الثورات في العام 2012؟.
 
- الأمير الحسن: في البداية، دعونا نقفز عن المسميات حتى لا نقع في الجدل الدائر حول ما اذا كانت هذه الأحداث ترقى إلى مستوى الثورات أم أنها تجسد عملية حراك شعبي أصيل، لأن النتيجة واحدة، وهي أن الشعوب والمجتمعات العربية لديها إرادة واضحة للتغيير وقد جاءت هذه المجتمعات لتعبر عن نفسها بحرية.
 
علينا أن ننتبه أيضا إلى أن التنبؤ بالأحداث فيما يخص الثورات أمر في غاية الصعوبة، وذلك لأن هناك ثورات أخذت قرونا لكي تتضح معالمها، وثورات أخرى كان لها ارهاصات على مدى قرون أيضا مثل الثورة الفرنسية، ومنها أيضا تلك التي سارت بخطى ثابتة مثل الثورة الأميركية على سبيل المثال.
 
لذلك، لا أحبذ أن أحكم في هذه اللحظة، لأن أي حكم سيصدر مني سيكون سابقا لأوانه. كما أن الثورة الحقيقية هي تلك التي تنجح في تغيير المفاهيم لاشراك المواطنين في صنع القرار، وتعاملهم كأصحاب حق وقضية، وهي تلك التي تنجح في خلق التغيير في الذهنية العامة السائدة في المجتمع. وقد أذهلنا في هذا الصدد الطابع السلمي الذي غلب على هذه الحركات.
 
أود الاشارة أيضا إلى أنه لا يوجد أحد بمنأى عن التغيير، فالتغيير عملية رافقت الانسان منذ الخلق، لذا فإن اتخاذ بعض الخطوات الاصلاحية البسيطة التي من شأنها تأخير عملية التغيير لن تكون بديلا عن عملية الاصلاح الحقيقي والأصيل. لذلك، أعتقد بأن على جميع الدول أن تسير نحو الاصلاح جديا، لأن الشعوب التي نجحت في احداث التغيير ستكون مصدر الهام لغيرها من الشعوب، حيث سترى المجتمعات بأم عينها بأن الشعوب الأخرى قد استطاعت أن تحدث التغيير وسيشكل ذلك حافزا لها للمحاولة أيضا.
 
* «الوطن»: هل تعتقدون أن الثورات العربية كانت نتيجة لتآكل الأنظمة من الداخل وتفاقم المشكلات الداخلية، أم أنه قد جرى التخطيط لها من الخارج كما يروج البعض؟.
 
- الأمير الحسن: عند الاجابة عن هذا السؤال، لا بد لنا من العودة إلى تاريخنا المعاصر، حيث سنكتشف بأن الحراك الحالي ما هو الا استئناف لمسيرة سابقة وليس بداية من نقطة الصفر. لقد نهضت الشعوب العربية من أجل الاصلاح في بداية القرن الماضي، وكانت حركة النهضة العربية التي قادها مفكرون عرب ابان الحكم العثماني خير دليل على وجود الارادة العربية. وقد جمعت مطالب أساسية مثل العدالة والمساواة واحترام الكرامة الانسانية وسيادة القانون والاصلاح والتغيير بين المفكرين العرب مثل جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، وخير الدين التونسي، ورفاعة الطهطاوي وعبدالرحمن الكواكبي ورشيد رضا وشبلي شميل وفرح انطون والذين اختلفوا في معالجتهم للأوضاع آنذاك واتفقوا على ضرورة التغيير.
 
ثم جاءتنا معاهدة سايكس- بيكو، وهي التي مثلت بداية التدخل الخارجي في المنطقة والذي عطل قيام المشروع العربي النهضوي آنذاك وما زلنا ندفع ثمنه لغاية هذا اليوم. ويشهد على ذلك مؤتمر البطاركة الكاثوليك الذي انعقد في لبنان عام 1991، حيث أشار إلى علاقة الشراكة التي ربطت بين المسلم والمسيحي في المنطقة قبل هذا التدخل الخارجي الذي قسم المنطقة وجعل عالمنا، وفقا لما ذكروا في شهادتهم، عالما لا يعرف الاستقرار السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي والديني، حيث أصبحت المنطقة مليئة بالحركات السياسية والدينية المتنافرة والمتنازعة وشهدت تخلفا على كافة المستويات، كما أصبحت تحكم من قبل أنظمة هشة.
 
لقد كان تعريف «العربي» في عصر النهضة وما قبلها يشمل المسلم والمسيحي وحتى اليهودي، ولا يقتصر فقط على المسلمين. لو نظرنا إلى مكونات المجتمع في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، لوجدنا أن هناك جماعات من البربر والأقباط وغيرهم من مكونات المجتمع التي لم تكن تعني شيئا وحدها، بل كانت تنضوي في اطار الجماعة الواحدة والجسد الواحد، وذلك قبل أن يحصل التفتيت الذي نشهده اليوم وقبل أن نتحول إلى جماعات مصغرة ويقال لنا بأن علينا أن نحرص على مصالح الأقليات، وان كنت أتحفظ شخصيا على استخدام هذا المصطلح من ناحية الحقوق والواجبات.
 
إن الاعتراف بوجود هذه الارادة العربية منذ زمن ينبغي ألا يقلل من شأن الحراك الحالي، وانما يؤكد على الوعي العربي، وانبعاث الارادة من جديد اليوم يثبت أن الشعوب لم تكن جثثا هامدة كما كان يروج في السابق.
 
اليوم، يخرج المتظاهرون إلى الشارع في بلدان عديدة، ولكن لا يخرج هؤلاء فقط لأنهم عرب، أي أن ما يجمعهم هو ليس الهوية العربية بالدرجة الأولى، وانما حاجتهم جميعا إلى الاصلاح. بيد أن الأطراف الخارجية تخشى من هذه التحركات وتخشى أن يكون الهدف منها هو اعادة إحياء القومية العربية.
 
علينا ألا نتوقع أن تدخل أي من القوى الخارجية سيكون نابعا عن حرصها على المصالح العربية فقط، وانما لكل واحدة من هذه الدول مصالحها التي ربما تدفعها إلى التدخل، إلا أننا لا يجب أن ننجر إلى هذا الاتهام ووصف الحراك العربي بأنه مدعوم من الخارج، حيث يسجل للشباب العربي أن حراكهم كان نابعا من ارادة حقيقية ووعي وطني، وهم لم يطلبوا التدخل الأجنبي ابتداءا ولم يرحبوا به.
 
يطل علينا أحيانا بعض المسؤولين الغربيين الذين ينسبون إلى أنفسهم الفضل في الهام الشعوب العربية وكأنهم هم من قادوا الربيع العربي وليس الشباب الذين ثاروا على الأوضاع القائمة، وهذا مرفوض تماما، فثورة الياسمين في تونس هي ليست ثورة براغ ذاتها، وثورة الأرز هي ليست حركة الاحتجاج في وول ستريت، وان كان هناك عوامل تشابه بالتأكيد، إلا أن كل حالة لها خصوصيتها ويجب ألا نغفل أن قيام الحركات المطالبة بالتغيير كان بفعل ارادة الشعوب.
 
علينا اليوم أن ننتقل من دائرة التأثر بما يمليه علينا الآخرون إلى دائرة التأثير في مستقبلنا، اذا لم نتحرك اليوم، فسنبقى موضوعا للأبحاث الغربية التي تحلل أين يجب أن يقودنا الربيع العربي من دون أن يكون لنا القول الفصل. من هنا، أود أيضا أن أذكر بأن المواطن في منطقتنا أصبح يعتقد بأن الدول التي تتبع مصالحها في المنطقة لا يهمها ان كانت شعوبنا تنعم بالديمقراطية أم تعيش في ظل ديكتاتوريات طالما كانت المصالح مضمونة، لذلك فإننا ندعو إلى حوار مع الغرب وعلاقات قائمة على الأنثروبولوجيا السياسية وليس النفط السياسي. آن الاوان لأن تخرج المنطقة من معادلة النفط واسرائيل في صوغ علاقتها بالآخرين.
 
في هذا الصدد أيضا، هناك العديد من التساؤلات حول العلاقة مع من اعتاد البعض أن يسميهم الأقليات المسلمة، وما اذا كانت هذه الأقليات تحظى بالمساواة مع غيرها من المذاهب. اذا كان السؤال المذكور يعبر عن رغبة حقيقية في تحقيق المساواة والتعددية فإن الأمر سيكون مختلفا، إلا أن هناك من يريد أن يتوسع في اصدار الفتاوى الجديدة وتشجيع «المفتين» الذين لا يظهرون كفاءة والذين يستحسنهم البعض ممن يريدون تفتيت الأمة. السؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا هو متى سنعود إلى الشورى فيما بيننا، أي نحن أهل السنة والجماعة ومذاهب شيعة آل البيت والمذهب الإباضي، أي المذاهب السبعة الموجودة؟ ومتى سنصل إلى تطبيق نفس المبدأ مع غيرنا من غير المسلمين وصولا إلى التعددية التي هي من صنع شعوبنا نحن؟.
 
مما لا شك فيه أن التغيرات التي شهدناها أثبتت وجود الحاجة إلى اعادة النظر في العلاقة بين الحاكم والمحكوم، فبغض النظر عن طبيعة وشكل الحكم في البلدان العربية، إلا أن الطريقة التي سارت عليها هذه البلدان لم تعد صالحة لهذا الزمان، وهذه العلاقة بين الحاكم والمحكوم هي التي تشكل أساسا لشرعية الأنظمة، من هنا، وجب اعادة النظر في هذه العلاقة واعادة ترتيبها بحيث تخضع لقواعد الديمقراطية والمبادئ الدولية لحقوق الانسان.
 
* «الوطن»: أحرق البوعزيزي نفسه، فوصل حزب النهضة إلى الحكم، وثار شباب التحرير، فوصل الإخوان والسلفيون إلى حكم مصر، وثار شباب المغرب، فوصل حزب التنمية الاسلامي، وهناك احتمال قوي لأن تنتهي ثورة شباب التغيير في اليمن لوصول مناصري الأحمر من الاخوان المسلمين. وكل هذه الأحزاب كانت موجودة منذ عشرات السنين ولم يكن لها دور رائد في تحريك الثورة التي قادها شباب بلا تنظيمات.. ما هو تفسيركم لهذا المشهد ونتائجه؟.
 
- الأمير الحسن: لقد مرت المنطقة العربية بثلاث مراحل في القرن الماضي أسهمت في تشكيل ملامحها، فقد كان هناك مرحلة «ما بعد الاستقلال» والتي شهدت ظهور الشخصيات الوطنية التي قادت هذه الدول نحو الاستقلال من الدول الاستعمارية، ثم لم تقدر هذه القيادات على قيادة شعوبها وفقا للرغبة الجارفة آنذاك بتحقيق الوحدة العربية ولذلك تنحى هؤلاء جانبا.
 
ثم جاءت القيادات العسكرية التي حملت شعارات قومية، وأصبح الجيش واحدا من مراكز القوى في الدول، إلا أنه لم يلعب دورا مماثلا لدور الجيش في تركيا على سبيل المثال كقوة حامية للعلمانية، وقد بقي هناك فراغ سياسي.
 
وكان للقضية الفلسطينية والحروب المتكررة مع اسرائيل وحرب العراق آثار واضحة، حيث كانت الشعوب متعطشة إلى شعارات أصيلة وشرعية حقيقية، وهو ما توفره على الأقل الشعارات الاسلامية أو تلك «المتأسلمة» منها، وخاصة أن المواطن العربي لم يجرب هذه القوى ويبحث عن حلول مهما كان مصدرها. لذلك، فلم يكن مستغربا أن تنجح اليوم هذه القوى الاسلامية في الوصول إلى سدة الحكم.
 
بيد أن هناك حقيقة ينبغي التأكيد عليها وهي أن هذه التيارات ليست جميعها بالتشدد الذي تريد بعض وسائل الاعلام الغربية وأطراف أخرى أن توصله لنا، لذا نرى أن ثمة تركيزا على مجموعة من القيادات الدينية التي تخدم أجندات محددة، ولا يتم تسليط الضوء على المعتدلين من المسلمين وغيرهم، حيث يتم التركيز على المتطرفين الاسلاميين والمتطرفين اليهود والمتطرفين المسيحيين أيضا.
 
وهذا هو الاتجاه السائد، ففي الوقت ذاته لا نركز على المعتدلين ورسالتهم مثل شيخ الأزهر أحمد الطيب الذي أعلن بنفسه عن مبادرة الأزهر الشريف بالتنسيق مع عدد من المثقفين المصريين، والتي عبرت عنها الوثيقة التي دعت إلى تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة واعتماد النظام الديمقراطي الحر القائم على الانتخاب المباشر والالتزام بالحريات الأساسية واحترام حقوق الانسان والمرأة.
 
في هذا الصدد، لا يجب أن ندعو إلى فصل الدين عن الدولة بالضرورة، وانما إلى جعل الدولة مدنية، بحيث يتم التركيز على المواطنة وعلى الواجبات قبل الحقوق. كما يمكننا تقديم سلوك مسؤول يرفض وينبذ العنصرية على أساس الانتماء السياسي، وهو ما يحمي الجميع بالمحصلة. اليوم علينا أن ننظر إلى هويتنا ونتعامل معها على أساس قربها أو بعدها عن الصالح العام.
 
* «الوطن»: في عملية انتقال الأحزاب الاسلامية من مرحلة المعارضة إلى مرحلة الحكم، تبرز الكثير من التناقضات والإشكالات، فالسلف والاخوان المسلمون أعلنوا أنهم سيلتزمون باتفاقية كامب ديفيد التي كانت أولى مآخذهم على النظام السابق، وحزب النهضة أعلن أن لا مساس بالحريات العامة للشعب مع أن أكثر الاتهامات التي مست النظام السابق كانت متعلقة بـ(الحرام) و(الفساد).. يتكرر نفس الأمر بالنسبة لحزب التنمية وزعيمه «بن كيران»، هل ستهضم الشعوب العربية التي صوتت للتيارات الدينية هذا الانقلاب في الخطاب الاسلامي بين مرحلتي معارضة الرصيف وكراسي الحكم؟.
 
- الأمير الحسن: من دون التطرق إلى تفاصيل الحكم في كل دولة، ولكن بشكل عام، يقتضي المبدأ الأساسي وجوب احترام حق كافة الأطراف بالمشاركة السياسية، ثم يكون الفيصل هنا هو أداء هذه الأطراف، والتي يجب عليها اليوم أن تتعلم من التجارب السابقة وتحترم وعودها للمواطنين وتحترم إرادة الشعوب، وإلا ثارت عليها هذه الشعوب كما ثارت على من سبقها. كما علينا ألا نغفل أن التزام الدولة بالمعاهدات يضع مسؤولية على الأحزاب السياسية الحاكمة، فعليها أن تلتزم بها أو أن تبحث عن البديل، وذلك ينطبق على جميع أطراف المعادلة ومنها الأحزاب السياسية في اسرائيل أيضا.
 
* «الوطن»: كانت أهم محركات قيام الثورات العربية تردي الوضع الاقتصادي بالحالة المعيشية الصعبة والبطالة والفساد، فهل سنرى مشهدا اقتصاديا وسياسيا أكثر شفافية وازدهارا في المرحلة القادمة؟.
 
- الأمير الحسن: لقد رأينا كيف رفع الشباب في ميادين التغيير في مصر وتونس وليبيا واليمن شعارات تتعلق بالعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية قبل أن يتطرقوا إلى الديكتاتوريات وتفاصيل تغييرها، فالمنطقة العربية تعاني من غياب للعدالة الاجتماعية ويعاني النظام العربي من «انكشافات» علمية وتكنولوجية وصناعية وثقافية واعلامية ومعرفية وغذائية وأمنية هائلة، ما يخلق الاختلالات التي شهدناها. كما اننا نعيش في منطقة تتعرض لضغوط سكانية تؤدي إلى ازدياد في معدلات الفقر والبطالة، وهو ما يؤدي بالنتيجة إلى ضعف انتماء الأفراد إلى مؤسساتهم ومجتمعاتهم وتقوية انتماءاتهم الفرعية، ما يؤكد الحاجة إلى اعادة صياغة العلاقة بين المواطن والدولة مرة أخرى.
 
المحور الثاني: في البداية لا بد من الاشارة إلى أن الحراك الشعبي يختلف من دولة إلى أخرى، ففي الوقت الذي دعا فيه المتظاهرون إلى إسقاط أنظمة في بعض البلدان مثل تونس ومصر واليمن وسوريا، فإن الآخرين في دول مثل الأردن والسعودية والمغرب وعمان ودول الخليج حرصوا على الدعوة إلى إصلاح الأنظمة.
 
لقد كانت المطالب في بعض الدول متشابهة إلى حد كبير عندما يتعلق الأمر بالمساواة والعدالة، وقد كان رد الفعل الحكومي في هذه الدول متشابها أيضا، حيث اعترفت الحكومات بضرورة الاصلاح ولكنها اتهمت أيضا أطرافا خارجية بالتدخل في إشعال هذه الحركات.
 
في هذا الجانب، لا بد من الاشارة إلى رد فعل الحكومة البحرينية إزاء الأحداث التي شهدتها مملكة البحرين، فإن مبادرة السلطات البحرينية إلى تشكيل هيئة تحقيق مستقلة يرأسها قاض دولي معروف بنزاهته، ولا أعتقد أنه مستعد للتضحية بسمعته المهنية من أجل مكاسب سياسية، يشكل سابقة بحد ذاتها في المنطقة. يسجل للسلطات البحرينية أنها لم تسارع إلى دفن رأسها في الرمال ولم تتنصل من مسؤوليتها، فقد رأينا القاضي يواجه المسؤول السياسي بأخطائه، ورأينا الأخير يعترف بالخطأ، لذا ومن باب أن الاعتراف بالخطأ فضيلة، أشير إلى أنني أثمن موقف السلطات البحرينية وهو موقف يستحق الاشادة والاكبار، فلم نعتد على هذه المواقف في المنطقة. ويهمنا أمن الخليج بالدرجة الأولى لأنه مرتبط بأمننا الوطني وأمن دول العمق الاستراتيجي.
 
مما لا شك فيه أن الاصلاح بات ضرورة ملحة في هذا الوقت في كل أنحاء العالم، وان كانت الحاجة إليه في منطقتنا أشد إلحاحا من غيرها. وبرأيي، فإن أي عملية اصلاح يجب أن ترتكز على ثلاثة مبادئ رئيسية ومنها: أولا: وجود وثيقة حقوقية اقليمية تلتزم بها شعوب المنطقة، وثانيا: ايجاد خطة مارشال عربية تعنى باعادة الاعمار وتفعيل المؤسسات وتنمية الموارد البشرية، وثالثا: مبدأ الدستورية الذي ينص أيضا على احترام المواثيق والمعاهدات الدولية والالتزام بقيم حقوق الانسان العالمية.
 
كما نحتاج إلى تفعيل وانشاء المزيد من المؤسسات الاقليمية، حيث يجب ألا ننسى أن جامعة الدول العربية غير ملزمة، ويحوم حولها الكثير من الأسئلة، فعلينا اليوم أن نسأل أنفسنا ان كانت جامعة الدول العربية هي جامعة للحكومات أم الشعوب أم أنها جامعة بالاسم فقط.
 
اذا نظرنا إلى التجربة الأوروبية، فإن الاتحاد الأوروبي هو اتحاد الشعوب، وهو اتحاد حقيقي، بدليل أن اليونان، حكومة وشعبا، تطلب العون من الاتحاد الأوروبي عندما تمر بأزمة إدراكا من الجميع بأنهم يخدمون هوية واحدة. بينما نسمي أنفسنا عربا، ونتكلم اللغة العربية ذاتها، ونؤمن بالدين ذاته، وما زلنا لا ننضوي تحت إطار واحد متكامل. يجب أن يقودنا كل ذلك إلى عقد مؤتمرات دولية يكون هدفها تحقيق الالتزام بقضايا ذات بعد انساني وجوهر انساني.
 
ولا يكفينا أن ندعو إلى الديمقراطية من دون الدعوة إلى وجود ثقافة بديلة تقبل بالديمقراطية، فمسار هلسنكي على سبيل المثال ارتكز على عدة محاور وهي الأمن والاقتصاد والثقافة والقانون. وعلينا أن نلتفت إلى السلم الأهلي، أي أن نكون قادرين على العيش بسلام على مستوى مجتمعاتنا أيضا قبل أن نبحث عن السلام مع الآخرين. ومن المآخذ التي يرددها المواطن العربي حول أداء الجامعة العربية هو أنها لا تبذل الكثير على صعيد حقوق الانسان، فلماذا لا نفكر بإنشاء محكمة عربية لحقوق الانسان ونبعث برسالة إلى العالم تؤكد مكانة هذه الحقوق في أدياننا وتاريخنا وتراثنا؟.
 
إن وجود محكمة كهذه يساهم في بلورة التكامل العربي على المستوى الحقوقي، وهي بداية جيدة نحو تكامل عربي أوسع يحقق ويضمن الكرامة الانسانية للمواطن العربي.
 
وهنا أود أن أطرح مجددا فكرة الميثاق الاجتماعي الذي كنت قد ناقشته مرارا حتى قبل بدء الحراك في الشارع العربي، فنحن بحاجة إلى ميثاق عربي يكون بمثابة عقد اجتماعي بين الحاكم والمحكوم، ويلزم المعنيين فرادى ومؤسسات بالالتزام بمسؤولياتهم تجاه تحقيق العدالة الاجتماعية بمعناها الأوسع.
 
وكما نلاحظ، فقد أبرزت التطورات الراهنة في العالم العربي أن البعد الحياتي للانسان العربي المتمثل بالفقر والتهميش وغياب الحريات وعدم التمتع بحقوق المواطنة قد نجم عنه غياب التضامن سواء في اطار المجتمع الواحد أو على الصعيد العربي. إن غياب التضامن العربي وعدم وجود ميثاق ملزم يشكل التحدي الأكبر الذي نواجهه اليوم. ولعل ما نشهده من حراك في الشارع العربي يترجم بجلاء الآثار الناجمة عن غياب هكذا ميثاق بكل ما يحمله ذلك من غياب للعدالة الاجتماعية التي أضحت سمة يكاد يتميز بها العالم العربي.
 
أود أن أشير أيضا إلى أننا يجب أن نلتفت أيضا إلى الجانب الممتلئ من الكأس، فقد اعتدنا النظر إلى الجانب الفارغ، ولكن في الحقيقة فقد سرني جدا أن أشارك مؤخرا في تهنئة الطوائف المسيحية بعيد الميلاد المجيد في الأردن، فقد زرت كنيسة بنيت مؤخرا وهي كنيسة مار افرام السريانية، حيث سررت بالانضمام إلى نخبة من أفضل العقول في المنطقة وقد تحدثنا مطولا حول التحديات والتغيرات في المنطقة. وقد فكرت في سري في أن هناك جانبا ممتلئا من الكأس، ففي الوقت الذي تهدم فيه الكنائس على أيدي المتطرفين، تبنى كنائس جديدة ويزورها الناس على اختلافاتهم ويبحثون في مستقبلهم معا كما حدث معنا في هذه المرة وغيرها من المرات السابقة.
 
المحور الخليجي: إن أي تعاون إقليمي يمر بهذه المراحل المختلفة ويتطور من تعاون إلى اتحاد وهو أمر مطلوب. المهم أن تتطور أشكال التعاون هذه في اطار التكامل مع دول العمق وشعوب العمق، فهي دول مصدرة للطاقة ولكنها تستورد السلعة الأهم وهي رأس المال البشري، حيث تستقدم هذه الدول الموارد البشرية من دول الجوار. من هنا، فإن غياب استراتيجية واضحة للتعليم والتوظيف تخدم كلا الطرفين، أي دول الموارد الطبيعية ونظيراتها من دول الموارد البشرية، على أساس تكاملي يعمق الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية وبالتالي الأمنية. لذلك، فإن هناك مصلحة مشتركة لتحقيق التكامل الذي يخدم الجميع.
 
إذا ما نجحنا في هذا التكامل، فسيكون لذلك انعكاس على الأمن العربي بمعناه الشامل وأقصد الانساني المستدام وصولا لإبقاء المنطقة بعيدة عن النزاعات الدولية وتنافس الأطراف الخارجية.
 
المحور العالمي: أوروبا ليست المنطقة الوحيدة التي تضررت من الأزمة، بل انها كانت أزمة عالمية بامتياز، وقد شهدنا ذلك في الاحتجاجات التي عمت مختلف مناطق العالم ومنها وول ستريت، حيث قدم المحتجون أنفسهم على أنهم يمثلون الـ 99% من الشعب، بمعنى أن السياسات الاقتصادية تخدم أقلية صغيرة لا تتعدى الـ 1% على حد تعبيرهم، ما يشير إلى الحاجة لإعادة النظر بالسياسات الاقتصادية. في الوقت الذي لا أستطيع فيه أن أحدد سياسات اقتصادية محددة أو أن أتنبأ بمآلات الأزمة، فإنني أجزم أن الحل يكمن في إعادة توجيه البوصلة، بحيث تكون الشفافية والمحاسبة وقواعد الحاكمية الرشيدة هي التي توجه الاقتصاد في الدول.
 
محور القضية الفلسطينية: لقد أشرت أكثر من مرة إلى الطلب الفلسطيني بالانضمام إلى الأمم المتحدة، وهو طلب برأيي لا يتعلق بالعضوية بقدر ما يتعلق بحق الشعب في تقرير المصير. وبالطبع فقد آن الاوان ليعترف العالم بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم المستقلة. إن المحافظة على الحقوق العربية وعلى رأسها حقوق الشعب الفلسطيني هي من&l


لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 28252
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
04-01-2012 05:26 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم