بقلم : هاشم الخالدي

صباح يوم الاحد الماضي تصادف ان التقيت دولة رئيس الوزراء الدكتور معروف البخيت اثناء زيارة قام بها الى دائرة اراضي شمال عمان وجرى بيننا لقاء سريع بعد ان سألني عن سبب تواجدي هناك فأبلغته انني اقوم بمعاملة شراء منزل جديد لي في شفا بدران.

 البخيت دخل دائرة الاراضي واستمع لمديرها ومدير دائرة الاراضي وقام التلفزيون وعشرات الكاميرات بتصويره ثم خرج مبتسما على ان كل الامور تمام وغادر بسيارته وبقيت انا مع عشرات المراجعين الذين يتابعون في هذه الدائرة معاملاتهم.

 الطريف ان كبار موظفي هذه الدائرة ابلغوا دولة الرئيس ان سير المعاملات "تمام التمام يا افندم" وان اضخم معاملة تستغرق بين (5-60) دقيقة ... الى هنا الامور عال العال.

 ماعلينا .. الكلام معسول وجميل ... المهم التطبيق... غادر دولة الرئيس في تمام الساعه (11.41) دقيقة فقمت بتسليم معاملة نقل الملكية الخاصة بي الى معقب معاملات ،  لكنني فوجئت بعد اكثر من ساعة ونصف من النطنطة من شباك الى شباك بانه يأتي ليقول لي "تم تأجيل المعاملة حتى الغد".

لا اخفيكم فقد شعرت بالاحباط قليلا وقارنت بين كلام المسؤولين هناك بان المعاملة الكبرى لاتستغرق الساعة وبين ما يحدث على ارض الواقع، واثناء دخولي دوامة الاحباط همس في اذني معقب المعاملات قائلا "بعشر ليرات ممكن نمشي الموضوع اليوم .."

نزلت هذه الكلمات على رأسي كالصاعقة فلا يجوز لانسان يكافح الرشوة ان يكون جزءا منها حتى لو تعطلت اموره بغيرها فذهبت الى المدير هناك وابلغته ان بعض موظفيه يطلبون الرشوة لكنه انكر هذا الامر واكد ان الدنانير العشرة قد تذهب لجيب معقب المعاملات دون ان يدري الموظف عن الموضوع... هذا هو تبرير المدير الذي اشهد له بدماثته وحسن اخلاقه،لكن الامور لا تدار بحسن النوايا يا عطوفة المدير.

 في نهاية الدوام ابلغت رسميا من قبل مساعد المدير بان " القوشان " سيتم تأجيل اصداره ليوم غد بحكم ان الدوام اصبح على مشارف نهايته وان الموظفون يحتاجون لوقت من اجل اتمام المعاملة واصدار القوشان الجديد ،وابلغني ان القوشان سيكون جاهزا مع بداية دوام يوم غد.

 في اليوم الثاني كنت اجلس في مكتب المساعد الذي ذهب لتفقد القوشان الا ان الموظفين المسؤولين عن اصدار القواشين لم يكونوا قد انجزوه رغم ان الساعة كانت قد تجاوزت الحادية عشرة والنصف وابلغني انهم يحتاجون لربع ساعة اضافية من اجل انجاز المعاملة.

بالفعل... اخذت وصل استلام القوشان وقمت بنفسي بالذهاب الى الشباك المحدد لاستلام القواشين .

مالذي حدث هناك:

 كان احد الموظفين متجهما، ولما ضاق ذرعا بالمراجعين  قام باغلاق احد دفتي شباك مكتبة في وجههم ووجهي طبعا قائلا ماحرفة "انا بدفة شباك وحده مش خالص منكو" ثم قام باغلاق نصف الشباك كي لايتيح للمراجعين امكانية التحدث معه ... عجبي.

 بعد دقائق تمكنت من الحديث مع عطوفة الموظف "ابو شباك" وطلبت منه قوشان الارض المؤجل منذ امس فقال لي حرفيا "مين قلك انه هاض بخلص هسه ، تعال بنهاية الدوام خذه".

 اتاحت لي الدقائق التي وقفتها امام شباك "معالي سعادة سماحة عطوفته" الاستماع لاكثر من شكوى وتذمر من معاملة ومزاجية الموظفين وطلب الرشوة من بعض المعقبين - لا ادري لمصلحة او جيب  من تذهب- اضافة لتعطيل معاملات المراجعين وتأخرها لاكثر من يومين وليس كما يقال "5-60" دقيقه.

 اعذروني اخواني على ذكر هذه التفاصيل، لكنها كانت ضرورية لانها في صلب الموضوع ، وانا هنا اتساءل، ماهي قيمة زيارة رئيس الوزراء الى اي دائرة حكومية اذا كان الوضع لن يختلف اوله عن اخره ، فاذا كان دولة الرئيس يذهب الى هذه الدوائر لتفقدها من اجل الظهور الاعلامي فقد حقق مبتغاه بامتياز.

اما اذا كان الهدف الاصلاح وقصقصة اجنحة الفاسدين والمرتشين فعلى دولة الرئيس ان يلتزم مكتبه وان يخرج علينا بفكرة "المواطن الخفي" او تشكيل دائرة رقابية على اداء الموظفين يكون من ضمن اهم اهداف موظفي هذه الدائرة الذهاب بشكل متخفي لتعقب معاملات المراجعين  من اجل كشف الخفايا والعيوب التي لا يظهرها موظف الحكومة سوى على المراجعين الغلابا.

كان على دولة الرئيس لو كان يريد الاصلاح -وانا ازعم انه يريده لكن اخطأ الطريقة- ان يذهب بشكل مفاجئ الى الدوائر الحكومية وان لايكتفي بالذهاب الى غرفة المدير والتشديد على ضرورة انجاز معاملات المواطنين بالسرعة القصوى ثم يبتسم ويركب سيارته الفاخرة المكندشة فلا نجد على ارض الواقع اي تطبيق لتعليماته.

 يادولة الرئيس ... قدوتنا في هذا المجال جلالة الملك الذي كان يلبس الدشداش الابيض الكالح والكوفية الحمراء التي تظهر رجلا مسنا بلحية بيضاء من اجل الاستماع بكل حريه الى شكاوى المواطنين، فما المانع ان تقتدي بجلالة الملك في طرق تلمس حاجات المواطنين او على الاقل الذهاب بشكل مفاجئ والاستماع الى البلاوي التي تجري في عديد من الدوائر الحكومية.

يا دولة الرئيس ... دائرة اراضي شمال عمان ليست كما شاهدت ،  فبمجرد خروجك من بوابة الدائرة،عادت لها البيروقراطية والتعامل الفض والبحث عن اي وسيله لتعطيل معاملات المواطنين.... اللهم اني بلغت اللهم فأشهد.

الكاتب: مؤسس موقع سرايا

Hashem7002@yahoo.com

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا