سرايا -

سرايا- أشرف الراعي - البحرالميت- انخرط صحافيون ورجال أمن في "سجال حام غير مألوف" حول التماسات المتداخلة بين عمل كل منهما على قاعدة انتقادات طاولت رجال أمن اتهموا بـ "قمع متظاهرين خلال الحرب على غزة".

 ودافع كل فريق وسط السجال عن فكره ورؤيته في تنفيذ متطلبات مهنته، وعلى أساس أنها الأكثر تحقيقا لأهدافها؛ ففي الوقت الذي يؤكد فيه رجال الأمن على أن ما يقومون به من "تشديد أمني في بعض المواقع إنما هو لمصلحة الوطن"، يشدد الصحافيون على حق الجمهور في المعرفة.

 ورغم ذلك، حاول الطرفان التوصل إلى "صيغة" لحل هذا الاختلاف في وجهات النظر، بعد أن روى زملاء صحافيون تجاربهم مع ما أسموه "اعتداءات من رجال الأمن عليهم" أثناء تأديتهم لمهامهم في التغطية، إلا أن رجال الأمن يشددون على أن "مصلحة البلد العليا هي الأساس".

 وكانت فكرة "عدم تفهم الطرفين لدور بعضهما البعض" حاضرة وبقوة على طاولة البحث في اللقاء الذي نظمه مركز حماية وحرية الصحفيين حول التغطية الإعلامية المستقلة في مناطق التوتر والأزمات أمس في فندق ماريوت البحر الميت.

 ورغم محاولات إظهار كل طرف لوجهة نظره؛ إلا أن ثمة إقرارا بأن "هناك اعتداءات من قبل الأمن على صحافيين، والتوضيح من الأمنيين المشاركين في الحوار أنها ليست منهجا، وإنما ممارسات فردية وأن التعامل معها يكون بإدانتها بشكل واضح والمساءلة القانونية لمرتكبها".

 إلى ذلك، عاد رجال الأمن وحاولوا رمي الكرة في ملعب الصحافيين، بعد أن أكدوا أن هناك "عدم التزام من بعض الصحافيين بمدونات السلوك المهني خلال تغطيتهم الإعلامية"، ما يؤدي إلى التصادم والاشتباك مع الأجهزة الأمنية، وقوبل هذا الاتهام بطلب من الصحافيين توعيتهم بمدونة سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين التي اعتمدت من الأمم المتحدة وقوانين حق الحصول على المعلومات.

 إلى جانب ذلك، اتفق الطرفان على أن "ضعف التنسيق" بين الإعلاميين والأجهزة الأمنية قد يكون أحد عوامل سوء الفهم والتجاذبات بين الطرفين.

 واختلف الطرفان حول جزئيات تفصيلية تتعلق بعمل كل جهة منهما؛ ففي وقت طالب فيه رجال أمن بارتداء الصحافيين لسترات وباجات تعريفية، اعتبر صحافيون أن الفريق الصحافي لا يتعلق فقط بالمصور والمذيع وإنما هناك جزئيات أخرى في العمل أكثر تعقيدا ومنها ضرورة تواجد فني الصوت والسائق وهم من يسهل عمل الصحافي.

 واحتدم نقاش؛ حينما عرض رجال أمن أن مؤسسات إعلامية تعمل بشكل ممنهج في سياسة تستبعد الأردن فيها من كل حدث إيجابي وتضخم كل حدث سلبي، وهو ما اعتبره صحافيون تدخلا في شؤون المهنة لأن "مهمة رجال الأمن حماية النظام العام وليس الخوض في السياسات".

  بدأ الحوار بين الطرفين بجلسة افتتاحية عرض فيها مدير مكتب الجزيرة والكاتب في "الغد" الزميل ياسر أبو هلالة لحالة الاعتداء عليه من قبل رجال الشرطة في التاسع من الشهر الماضي أثناء تغطيته لمظاهرة احتجاجية على عدوان غزة, ثم تلاه مدير مكتب العربية الزميل سعد السيلاوي ثم مندوب صحيفة السبيل الزميل تامر الصمادي.

  يوم الاعتداء على أبو هلالة، أثار هذا التصرف من أحد رجال الشرطة تضامن جلالة الملك والملكة رانيا العبدالله اللذين اتصلا بالزميل للاطمئنان على صحته، فيما حظيت قضية الزميل أبو هلالة باهتمام رسمي وإعلامي كبير.

 وكان جلالة الملك أكد غير مرة وفي أكثر من مناسبة أن "الاعتداء على الصحافيين خط أحمر".

وروى الزميل أبو هلالة ما جرى معه في مقال نشرته صحيفة "الغد"، قائلا إنه "في الاشتباك ألقيت قنابل غاز واستخدمت الهراوات، شاهدت ذلك تماما، كما شاهدت متظاهرين يلقون حجارة وأحذية ويشتمون".

ووفق الزميل أبو هلالة، كان إمام مسجد الكالوتي يناشد رجال الأمن بعدم إلقاء الغاز المسيل للدموع لأن ثمة نساء حوامل ويناشد المتظاهرين عدم إلقاء الحجارة".

 وخلال الندوة، انتقد الزميل أبو هلالة تصرف الأمن العام معه، في قضية الاعتداء الذي قال إن "أحد المصورين كاد يفقد كتفه ويصاب بعاهة دائمة نتيجة لتصرف وصفه بـ "غير المسؤول"، معلقا "علينا أن نعترف، نحن بلد متسامح وليس بلدا ديموقراطيا".

وزاد أن "العنف مع الناس يؤدي إلى عنف مضاعف"، وقال "إن حادثة كانت وقعت وهي وفاة شخص في معان العام 2002 تحت التعذيب على خلفية أحداث عصيان هناك وهو ما كتبته صحيفة الجوردان تايمز واستقالت رئيسة التحرير آنذاك الزميلة رنا الصباغ بعد أن نشرته بضغط رسمي".

 إلى جانب ذلك، اتفق الزميل السيلاوي مع أبو هلالة في هذا الطرح الذي قرأته نيابة عنه الزميلة سهى جميل التي عرضت لحادثة وقعت مع الزميل السيلاوي الذي "تعرض للضرب بصورة مبرحة في العام 1999 أثناء تغطيته سرقة البنك العربي في شارع مكة".

ولم تكن هذه هي الحالات الوحيدة؛ فبجانب الزميلين أبو هلالة والسيلاوي تحدث الزميل تامر الصمادي عن حادثة تعرض فيها لضرب مبرح خلال تغطيته تظاهرة في منطقة عجلون وأخرى أثناء الحرب على غزة أمام مسجد الجامعة الأردنية بحجة أن المظاهرة "غير مرخصة، والصحافي يجب أن لا يغطي أي شيء غير مرخص"، وهو ما استغربه الزميل الصمادي.

 في المقابل، أكد رجال قوات الدرك التابعين للأمن العام على أن دورهم يتمثل في الحفاظ على الأمن العام وتطويق أي حالة عصيان وتأمين الحماية للسفارات والشخصيات المهمة.

 وطالب صحافيون رجال الأمن بـ "إزالة الأقنعة" أثناء المسيرات لأنها تعطي حصانة لهم بارتكاب أي أخطاء تتعلق بضرب المواطنين بمن فيهم الصحافيون والإساءة إليهم من دون أن يحاسبوا.

عقب هذا الحوار، وضع الطرفان جملة من التوصيات تقوم على عدة محاور أبرزها وضع دليل سلوك وقواعد عمل للعلاقة بين الأجهزة الأمنية والإعلاميين لضمان التغطية الإعلامية المستقلة للأحداث في مناطق التوتر والأزمات.

وبموجب هذا الدليل يتوجب على الأجهزة الأمنية تمكين الإعلاميين من الوصول بيسر ومن دون إعاقة أو إبطاء إلى أماكن التوتر بهدف القيام بواجبهم المهني وتوفير أماكن للصحافيين تمكنهم من المتابعة والمراقبة وتقديم التسهيلات اللازمة وتزويدهم بالمعلومات، فضلا عن عدم التضييق عليهم أو التدخل في عملهم المهني.

 وفي المقابل، على الصحافيين التعريف بهوياتهم وارتداء ما يشير إلى ذلك، والالتزام بالدور المهني في تغطية الأحداث والابتعاد عن مناطق الخطر وتجنب الصدام بين الجمهور ورجال الأمن وعدم إعاقة عملهم أو العبث بالأدلة في مواقع الأحداث والجرائم.

 وتم تشكيل لجنة متابعة تضم ممثلين عن الجانبين وأخرى لحل الإشكالات في الميدان وتدريب رجال الأمن العام للتعامل مع الإعلاميين بما يتوافق مع الدليل الذي سيتم إعداده ومدونة سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون، وفق بيان مشترك اتفق عليه المجتمعون.

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا