حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الجمعة ,19 أبريل, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 37178

لماذا فصلُ الدين عن السياسة ؟

لماذا فصلُ الدين عن السياسة ؟

لماذا فصلُ الدين عن السياسة ؟

13-01-2018 01:34 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : غيث هاني القضاة
أثار المقال الذي كتبه الدكتور محمد أبو رمان بعنوان "ما بعد الإسلام السياسي" في صحيفة الغد ،العديد من التعليقات والردود، وذلك على إثر إشهار حزب الشراكة والإنقاذ الذي إعترض عليه البعض بعدم ذكر المرجعية الإسلامية في خطاباته وأدبياته! وبدأت أطراف عديدة معظمها من المثقفين وبعضها قد ينتمي إلى "النخب " الثقافية بتناول الموضوع بطريقة "الميليشيات" ، حيث لا همّ لهم سوى تصفية الخصوم وإبادتهم وإلحاق الضرر بهم بأي طريقة كانت ،وغاب الحوار الموضوعي ،وأصبح القصفُ الإعلامي هو سيد الموقف وتم استهداف العديد من الأشخاص والافكار بقذائفهم التي طالت مواقع عدة! فبعضهم يحوقل ويحتسب، وبعضهم يستغربُ ويستهجن ويتحسر على تراجع المنظومة الفكرية وعدم الثبات على المبدأ ! ويتوعدون بأن "الإسلام السياسي "باقٍ ما بقيت السماوات والاراضين ،وكأنه ثابتٌ من ثوابت العقيدة ، دون النظر والتمحيص والتفكير وإعمال العقل وإمكانية تطوير الأفكار ونقدها!

المثير في المسألة أن معظم من تفاعل مع القضية ،كان قد افترض افتراضًا خياليًا يُحقق ما يدور في نفسه من تخيلات باطلة ، ثم بدأ بكتابة ما يشاء على صفحات التواصل الاجتماعي وغيرها من المقالات والتعبيرات ،مُتهِما ومُخوِّنا ومستغربا دون أن يُكلِّفَ نفسه عبء البحث والدراسة والتريث ! لا غرابةَ عندي في ذلك فهنالك فراغ سياسي وجهل حتى عند "النُخب" يحوْلان دون بلورة مشروع وطني تلتقي عليه جميع الأطراف ، ويجعل هنالك فسحة عندهم للنقد من أجل النقد والتشويه المبرمج ، وكأنَّ ملفات الفساد وسرقة الوطن لم تعد تعنيهم ،فلا يوجد شيء في هذا الوطن يستحق الاهتمام سوى الاتهام وملاحقة الخصم ومحاولة تحطيم فكرته!
ومن أجل تفصيل القضية وتبسيطها في مقال لا يتسع للكثير أودُ أن أشير الى أننا أمام نماذج تداخلت فيها السياسة بالدين وكانت النتيجة مؤسفة دائمًا ، فبين نموذجٍ لدولة يتحكم فيها الدين بالسياسة ، فلا يصدرُ الامر السياسي الا بموافقة الولي الفقيه ، وتدورُ حينها جميع الأفعال السياسية لخدمة الرأي الديني الفقهي ،ويأخذ حينها الفعل السياسي قداسةً من قداسة النص ! الذي إن خالفه أحد فكأنما خالف النص المُقدّس وخالف أوامر الله حينها ! وبين نموذج مؤسف لدولة تحكّمت فيها السياسة بالدين ، فلا يصدر الحُكم الفقهي إلا بعد صدور الأمر السياسي وصدور تعليماته الواضحة ، ليتم تحريم الحلال أو تحليل الحرام تبعاً لرأي السياسة ! وشهدنا بفضل الله وبأُم أعيننا في هذا العصر ،كيف أنّ ما كان حرامًا ومكروهًا شرعا في تلك الدولة، أصبح حلالاً طيباًوسُنة نبوية! بعد أن قال ولي الامر السياسي بغير ما كان يقول قبل أعوام وأذن لهم بتغيير الفتوى ! فشُوِّه الدين وكذا السياسة في كلتا الحالتين .
من القصص التي تُروى - بكل أسف -تلك التي تُظهر خطورة سيطرة السياسة على الدين أو العكس أو ربطهما ربطًا مباشرًا يجعل فيها سيطرة للجهة على أخرى ، تلك التي تُروى عن الامام مالك بن أنس حيث أفتى بعد أن سُئل : هل يقعُ طلاقُ "المُكره"، فأجاب بأن طلاق المُكره لا يقع ، ولم تكن هذه الفتوى تعجب العباسيين ،لأنه يمكن أن يُقاس على تلك البيعة تحلُّل كل من بايع العباسيّين مُكرَهًا من بيعته السياسية فقد كانوا يَعُدُّونها بيعةً دينيةً في المقام الأول ونظرًا لعدم توافق تلك الفتوى مع مصالحهم السياسية وخطورتها عليهم طلبوا من الإمام مالك تغييرها ! فرفض الامام ، فضُرب وسُجن وعُذب في ذلك عذابًا غير بسيط ، في صورةٍ من صور التشوه السياسي وتشوه السلطة التي تعتقد أن الدين جاء لخدمة مصالحها، بل وتقوم بتطويع النصوص الدينية لصالح شهواتها المختلفة بصورة عامة والسياسية على وجه الخصوص .
لسنا مع الدعوة القائلة بفصل الدين عن الدولة بالمعنى السلبي كما في أوروبا وجعل كل شيء في الحياة نسبيًا ومطلقًا لا مرجعية فيه و لا مبدأ ، فهذه دعوة يرفضها المسيحي والمسلم على حد سواء ، وقد كان ذلك الفصلُ حينها ضمن سياقات تاريخية مفهومة، كرد فعل عنيف على تحالف الكنيسة مع السلطة السياسية ضد مصلحة الشعب في ذلك العصر المظلم ، لكن الإسلام أيضا يُنْكِر "السلطة الدينية" ويرفضها تلك التي تجعل لمجموعة من الناس سلطانًا يستمدونه من قداسة النصوص ، والإسلام يؤكد على "مدنية" السلطة السياسية في المجتمع ،وكذلك بشريتها ،لكنه يثبِّتُ المرجعية الشريعة كأساس في دولة يكون دستورها الإسلام ،و"يُمايز "بين السياسة والدين عند التطبيق ، وللمفكر روجيه غارودي رأيٌّ في ذلك حيث يقول " إن أكبر مرض أصاب الإسلام ،هو لفظ" الإسلامية " الذي جعله البعض في كل شيء" فأصبحنا نرى الحزب الإسلامي والمستشفى الإسلامي والجامعة الإسلامية وغير ذلك الكثير ذاك الذي قد يكون أحيانا مُفرغًا من المضمون الحقيقي والفهم الصحيح للإسلام.
عندما نتحدثُ عن حزب سياسي لا يمكن الحديث فيه إطلاقا عن المرجعية الدينية أو الإسلامية ، فهذا فعلٌ بشري يحتمل الخطأ والصواب و لايمكن أن نُسيء إلى الإسلام بسوء فعلنا السياسي ، ومرجعيةُ الحزب التي نرجع إليها هي الدستور الأردني الذي ينص صراحة وبوضوح على أن دين الدولة الإسلام ، فماذا بقي اذن ليتم توضيحه ؟وكيف تُفهم القضية على الدرجة الخطيرة التي حذّر منها البعض الذين خلطوا الحابل بالنابل جهلا أو عمدا أو عن حسن نية ! ثمّ إنه لا يمكن إطلاقًا ممارسة ما كان يمارسه البعض من الاستشهاد على كل بيان أو موقف سياسي بآية قرآنية أو حديث شريف ، نُعزز به موقفنا مهما كان خاطئاً من أجل الاقناع أو الترغيب بوجهة النظر السياسية ! كاستخدام آيات قرانية نزلت في المنافقين أو الكفار ضد فريق سياسي يعمل معنا أو ضدنا حينها ! أو ضد أحد شركائنا في الهم العام ، فيتم اغتياله بوسائل دينية متطورة لتهميشه وإقصائه! وهو ما لا نرضاه ولا نقبله ، فهذه سياسة لا ثوابت فيها سوى المصلحة التي تعود بالنفع على الوطن والدولة والناس،وكما كان يقول ابن تيمية " أينما يكونُ العدل فثمّ شرعُ الله".
وعلى صعيد الدولة ، فالإسلام لم يحدد إطلاقا شكلًا محدًدا للحكم سواءً كان خلافة أو إمارة أو رئاسة ، لكنه دعا وأكَّد على سيادة قيم العدل والشورى "الديمقراطية" وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية وحقوق المواطنة للناس جميعًا ، وليس أدلّ على ذلك من دستور المدينة الذي عقده النبي محمد عليه الصلاة والسلام قبل 1400 عام مع اليهود والقبائل العربية في المدينة المنورة، والذي يُعدُّ أول دستور مدني في تاريخ البشرية جاء في 46 بندًا لم تُذكر فيه المرجعية الإسلامية إلا في آخر بند عند حدوث خلاف في التطبيق أو الفهم ، حيث كانت جميع البنود نصوصًا "مدنية "بحته ،تتحدث عن التعايش والتسامح والحقوق وتكافؤ الفرص وقيم العدل والمساواة تلك التي نفتقدها نحن في مجتمعاتنا في هذه الاوقات .
أدركُ أهمية التفرقة بين النقد الموضوعي الذي نُرحِّبُ به ويتسع له صدرنا ونبتهجُ به وقام به البعض ناصحا حريصاً، وبين الاجتراء والتحامل وأحيانا الشتائم المبطنة بل وافتراض أوهام غير موجودة إلا لدوافع شخصية لديهم، ولكننا ندرك وبذات القدر من الأهمية أنه علينا أن نَعِيَ أن نظرية " السلطة الدينية" ابتُدِعَت لتغليف استبداد أصحاب النفوذ وانفرادهم بالسلطان بغلاف ديني ، وهي ذات النظرية التي استخدمها فرعون و ملوك الفرس و قياصرة الرومان لتطويع الناس وإذلالهم، وهم بهذه الدعوة يريدون إرجاع الامة إلى سنوات التخلف التي جعلتنا في ذيل الأمم ، فلا جمع عندنا للدين مع السياسة ولا جمع للسياسة مع الدين بالطريقة التي يريدها البعض والتي تؤدي الى نتيجة سلبية بسبب سوء تطبيقها، ونحن قد تجاوزنا هذا المربع وأخذنا فيه قرارًا واضحًا استنادًا إلى الطريقة المنهجية التي نُفكِّر بها ، التي نحترم فيها المرجعية الإسلامية للدولة و"نُمايز" فيها فهمًا وتطبيقًا بين السياسة والدين ، هل بعد هذا التوضيح من قول ؟


لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 37178
برأيك.. هل طهران قادرة على احتواء رد فعل "تل أبيب" بقصف بنيتها التحتية الاستراتيجية حال توجيه إيران ضربتها المرتقبة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم