حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,20 أبريل, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 20124

أوهام "العولمة" وأكاذيب "التجارة الحرة"

أوهام "العولمة" وأكاذيب "التجارة الحرة"

أوهام "العولمة" وأكاذيب "التجارة الحرة"

27-04-2008 04:00 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم :

 

 

في البداية لا بد من تحديد تعريف واضح ومحدد لمصطلح "العولمة" الذي اصبح مصطلح الموسم ويتحدث فيه الجميع مسبغين عليه تعريفاتهم ورؤاهم الخاصة دون العودة الى تعريفه الاصطلاحي المحدد، وبالتالي تتوه بوصلة الحديث من "الواقعي" الى "الذاتي"، ويصبح مصطلح محدد مثل "العولمة" حمال اوجه: فهو تارة يشير في ذهن الكاتب والقارئ الى التكنولوجيا وانتشارها الكاسح (خاصة تكنولوجيا الاتصالات والاعلام الحديثة مثل الانترنت والفضائيات)، وتارة يشير الى عالمية الفكر او الفكرة، وتارة يشير الى تحول الكوكب الى "قرية صغيرة" يسهل على قاطنيها التواصل والتعارف والحوار. والحقيقة ان اسباغ المعاني المذكورة فيما سبق على "العولمة" يأتي في سياق اثبات عبثية مناهضتها او مقاومتها، واظهار المنادين بذلك على انهم متخلفين ومناوئين للتقدم والتطور، الى آخر هذه السلسلة.

 

والحقيقة ان كل ما ذكر اعلاه ليس له علاقة بـ"العولمة" بمعناها الاصطلاحي. فـ"العولمة" تحديدا هي احدى مراحل التطور الرأسمالي بحيث يسعى رأسالمال الى ازالة جميع الضوابط والقوانين والمعوقات التي تمنعه من الحركة من مكان الى آخر من أجل المضاربة في الاسواق المالية المختلفة، وتعظيم ارباحه من "الاستثمار" في بلدان توفر الايدي العاملة الرخيصة ونقاباتها العمالية ضعيفة فتزيد ارباحها مقابل استغلال العمال، ويتاح لها توفير تكاليف مصاريف كثيرة مثل مصاريف المحافظة على البيئة في البلدان التي لا توجد بها حماية قانونية للبيئة والانسان، ومصاريف البنى التحتية من ماء وكهرباء وارض والتي توفرها الدول الفقيرة باسعار منخفضة جدا لـ"اجتذاب" رؤوس الاموال.

 

والحق ان "العولمة" لم تأت لوحدها نتيجة تطور طبيعي ما، بل فرضتها الدول الكبرى من خلال مؤسسات تدعي انها دولية وهي في الحقيقة تمثل مصالح الدول الكبرى مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية وغيرها. هذا الاقحام جاء كشروط سياسية من قبل هذه المنظمات من أجل اقراض الدول الفقيرة من خلال السيناريو التالي:

 

استعمرت الدول الكبرى دول الجنوب ونهبت ثرواتها وهيمنت على مواردها (وما تزال)، نتيجة لذلك اصبحت دول الجنوب المنهوبة دولا فقيرة، وعندما ارادت الدول الفقيرة القيام ببرامج التنمية احتاجت قروضا كبيرة قامت الدول الكبرى التي نهبتها باقراضها اياها من حصيلة النهب (اي اقرضتها الاموال التي نهبتها منها في الاساس!)، ونتيجة لانتشار الفساد والارتباط بالخارج لدى الانظمة التي اورثها الاستعمار الحكم في دول الجنوب، فان اغلب هذه القروض استقرت في جيوب الانظمة الحاكمة والطبقات المرتبطة بها، مما استدعى المزيد من القروض، وهكذا الى ان غرقت دول الجنوب (المسماة دول العالم الثالث) في الدين واصبحت عاجزة لا عن سداد الديون فقط، بل اصبحت عاجزة حتى عن سداد فوائد تلك الديون، وهنا دخلت الدول الكبرى من الباب المشرع بحجة مساعدة الدول الفقيرة على سداد ديونها امتراكمة، فقد فرضت هذه الدول على الدول الفقيرة المدينة ان تتبنى برامج "اعادة الهيكلة الاقتصادية"، وهو اسم جميل مدروس لمشروع استكمال هيمنة كبير، وتعني "اعادة الهيكلة" امورا اساسية ثلاث: انسحاب الدولة من مسؤولياتها التقليدية في المجال الاجتماعي مثل الصحة والتعليم وغيرها وتحويل كل ذلك الى القطاع الخاص الذي لا يهمه اي شيء سوى الارباح، خصخصة القطاعات الصناعية والخدمية التي تملكها الدولة والتي انشأتها باموال المواطنين (في الاردن على سبيل المثال تمت خصخصة الاتصالات والاسمنت والبوتاس والفوسفات وميناء الحاويات وغيرها الكثير) حتى يتوفر مقدار من الاموال لسداد فوائد الديون المتراكمة الناتجة عن الفساد وفشل خطط التنمية، وتعديل جميع القوانين الاقتصادية بحيث تلغى اي قيود او ضوابط تكبح جماح رأس المال وتحد من استغلاله مثل قوانين "تشجيع الاستثمار" التي هي في الواقع تعطي رأس المال اعفاءات ضريبية واسعار تشجيعية للبنية التحتية مثل ايجارات الاراضي والماء والكهرباء، وهي كلها تدفع من جيب المواطن بشكل ضرائب تذهب لصالح توفير بنى تحتية لمشاريع تعفى من الرسوم والضرائب!!

 

طبعا عند الغاء القيود والضوابط القانونية للاستثمار وحركة رأس المال، لا يمكن للشركات المحلية او رأس المال المحلي ان ينافس الشركات الكبرى التي تملك ميزانيات ضخمة وامكانات وخبرات هائلة مدعومة بدول كبرى ذات جيوش جرارة وارادات سياسية لا تنضبط الا بما يحقق مصالحها دون رادع من اخلاق أو حق. فتسيطر الشركات الكبرى هذه المرة، وبدون استعمار مباشر في اغلب الحالات، على المشهد الاقتصادي كاملا في البلدان الفقيرة، فماذا يحصل؟ الجواب هو كما يلي:

 

تدخل الشركات الكبرى لتهيمن عى الصناعات الاستخراجية والتحويلية وغيرها من الصناعات، اضافة الى القطاعات الخدمية عالية الربح مثل الاتصالات، وتحقق توفيرات هائلة كما اسلفنا من خلال اعتمادها على الايدي العاملة العالمثالثية الرخيصة وغير المحمية، ومن ثم تقوم ببيع منتجاتها باعادة التصدير في نفس الدول وباسعار كبيرة جدا بعد ان تخرج منافسيها المحليين من السوق بالاغراق او تخفيض الاسعار لمدة محدودة او بشراء المنافسين وغيرها من الآليات.

 

هكذا، تقوم شركة رياضية عالمية كبرى تصنع كرات القدم الخاصة بها في الباكستان بأيدي اطفال يتقاضون دولارا واحدا في اليوم، باعادة تصدير هذه الكرات نفسها الى الباكستان والعالم لتباع الواحدة منها بثمانين دولارا ليشتريها نفس العامل الذي تم استغلاله في صناعتها!!

 

واللافت ان الدول الكبرى التي تدعو الى ازالة القيود الحمائية والغاء دعم الدولة للزراعة والصناعة وغيرها من الانشطة الاقتصادية بحجة زيادة التنافسية والانفتاح وتعزيز حرية السوق، تمارس هي نفسها سياسات الحماية والدعم: فمثلا حصل خلاف كبير بين اوروبا والولايات المتحدة فيما يتعلق بصناعة الصلب لان الولايات المتحدة تحمي صناعة الصلب الخاصة مما يمنع صناعة الصلب الاوروبية من منافستها، مثال آخر هو مطالبة دول الشمال لدول الجنوب برفع كل اشكال الدعم عن الزراعة (وهي النشاط الاقتصادي الاكبر لديها) وذلك طبعا لاغراقها بمنتجات الشمال المدعومة بالكامل من الحكومات (فمثلا تصرف الحكومات الاوروبية ما قيمته 2 يورو يوميا على كل بقرة من ابقارها!).

 

وهناك امثلة أخرى كثيرة: ففي فرنسا، تدخلت الحكومة "بكل ثقلها" لتمنع شركة "انيل" الايطالية من الاستحواذ على شركة "سويز" الفرنسية التي تعمل في مجال الكهرباء والماء، حيث اصدرت تعليمات باندماج "سويز" في شركة "جاز دو فرانس" الحكومية الفرنسية، وصرح رئيس الوزراء الفرنسي دومنيك دو فيلبان ان هذه الخطوة مهمة للغاية بسبب "الاهمية الاستراتيجية للطاقة بالنسبة لفرنسا". وقد وصفت ايطاليا هذه الخطوة بانها ترقى الى "عمل من اعمال الحرب"، فيما وصف فالفيو كونتي الرئيس التنفيذي لشركة "انيل" الايطالية الخطوة الفرنسية بانها ترقى لحد تأميم شركة "سويز" . و في اسبانيا، عرقلت الحكومة هناك عرضا قدمته شركة "اي او ان" الالمانية لشراء شركة مدريد للطاقة، ثم اعلنت انها ستوسع السلطات التي تمنع الشركات الاجنبية من تملك اصول اسبانية للطاقة. ولا زالت قضية رفض حكومة الولايات المتحدة بيع ادارة موانئها الى شركة اماراتية ساخنة في البال!!

 

نخلص بالنتيجة الى أن ما يسمى "حرية التجارة" و"فتح الاسواق" هي كذبة كبرى، وان ما يسمى "العولمة" ما هو الا آلية لتسهيل هيمنة الشركات الكبرى الرأسمالية وتعظيم ارباحها من خلال نهب العالم واستغلال الناس من خلال تحويلهم الى عبيد مستهلكين. وهو ليس "العدو" الذي يجب مناهضته، لأن الآلية هي وسيلة ولا تكون المناهضة للوسيلة بل لمن يستعمل هذه الوسيلة: أي الرأسمالية الامبريالية. وهذه خلاصة نقاشات تدور حاليا في اوساط ما يسمى "الحركة العالمية المناهضة للعولمة"، واصبح عدد كبير من النشطاء والمنظمات مقتنعا بأن "مناهضة العولمة" هو شعار غير صحيح لان "العولمة" هي احدى آليات عمل الامبريالية، فالاجدر اذا مناهضة الامبريالية نفسها لا ادواتها.

 

يتبع الجزء الثاني والاخير الاسبوع القادم.....

 


لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 20124
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
27-04-2008 04:00 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل طهران قادرة على احتواء رد فعل "تل أبيب" بقصف بنيتها التحتية الاستراتيجية حال توجيه إيران ضربتها المرتقبة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم